«كلا» في العربية على ثلاثة أوجه
  وفرس، ألا ترى أجزاء كل منهما - وهي حروفه الثلاثة - إذا انفرد شيء منها لا يدل على شيء مما دلت عليه جملته، بخلاف قولنا: «غلام زيد» فإنه مركب، لأن كلّا من جزأيه - وهما غلام، وزيد - دالّ على جزء المعنى الذي دلت عليه جملة «غلام زيد»(١).
  والمعنى الثاني: لغويّ، وهو الجمل المفيدة(٢)، قال الله تعالى {كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها}[المؤمنون / ١٠٠] إشارة إلى قول القائل {رَبِّ ارْجِعُونِ ٩٩ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ.}
  و «كلّا» في العربية على ثلاثة أوجه: حرف ردع وزجر(٣)، وبمعنى حقّا(٤)، وبمعنى إي:
  فالأول كما في هذه الآية، أي: انته عن هذه المقالة، فلا سبيل إلى الرجوع.
  والثاني نحو: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى}[العلق، ٦]، أي: حقّا؛ إذ لم يتقدم على
(١) معنى هذا الكلام أن قولنا «غلام زيد» معناه: ذات مملوكة لزيد، وكل جزء من جزأي هذا القول يدل على جزء من جزأي المعنى، وذلك لأن معنى «غلام» ذات مملوكة، ومعنى «زيد» المضاف إليه ذات مالكة، فكان قولنا «غلام زيد» مركبا لذلك. هذا إذا بقي قولنا «غلام زيد» على أصله، فإذا أخرجته عن أصله بأن سميت رجلا ما من الرجال بغلام زيد، وصار هذا القول علما كان من قبيل المفرد مثل «عبد الله» العلم، لأن جزء اللفظ لا يدل على جزء المعنى المراد حينئذ.
(٢) يصح أن يكون هذا اللفظ وهو «كلمة» حين تريد به الجمل المفيدة مجازا مرسلا، وذلك إذا نظرت إلى أن المعنى الأول للكلمة - وهو القول المفرد - جزء من المعنى الثاني - لها - وهو الجمل المفيدة - لأنها تتركب من كلمتين فأكثر. ويصح أن يكون لفظ «كلمة» حين تستعمله في الجملة المفيدة - استعارة تصريحية، وذلك إذا لاحظت أنك شبهت الجملة المنضم بعض أجزائها إلى بعض انضماما تاما بالمفرد، ثم حذفت المشبه واستعملت اللفظ الموضوع للمشبه به في المشبه.
(٣) أي أن «كلا» حرف يدل على الردع، وهو طلب المتكلم بهذا اللفظ من مخاطبه الانتهاء والكف عن فعل، والزجر: وهو طلب الكف وترك الفعل بشدة، فعطفه على الردع عطف تفسير.
(٤) زعم مكي أن كلّا التي تدل على معنى حقا اسم، كما أن حقا التي بمعناها اسم، ولا صحة لما ذهب إليه، لأن كثيرا من الحروف تدل على معنى الاسم أو على معنى الفعل، ولا تخرج بهذا عن كونها حروفا، وهذا الكلام يتكرر كثيرا في الاستدلال.