شرح شذور الذهب،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

ينوب عن الفاعل واحد من أربعة أشياء

صفحة 192 - الجزء 1

  بعضهم جوّز في هذا المفعول أن يرفع وصفه فيقول: «ضارب زيد عمرا الجاهل» لأنه نعت المرفوع في المعنى.

  ومثّلت لنيابته عن الفاعل بقوله تعالى: {وَقُضِيَ الْأَمْرُ}⁣[البقرة، ٢١٠، وسورة هود، الآية ٤٤] وأصله قضى الله الأمر، فحذف الفاعل للعلم به، ورفع المفعول به، وغيّر الفعل بضم أوّله وكسر ما قبل آخره، فانقلبت الألف ياء.

  فإن لم يكن في الكلام مفعول به أقيم غيره: من مصدر، أو ظرف زمان، أو مكان، أو مجرور.

  فالمصدر كقوله تعالى: {فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ}⁣[الحاقة - ١٣] وقوله تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ}⁣[البقرة، ١٧٨] وكون «نفخة» مصدرا واضح، وأما «شيء» فلأنه كناية عن المصدر، وهو العفو، والتقدير - والله أعلم - فأيّ شخص من القاتل عفي له عفو ما من جهة أخيه، والأخ هنا محتمل لوجهين: أحدهما: أن يكون المراد به المقتول ف «من» للسببية، أي بسببه، وإنما جعل أخا تعطيفا عليه وتنفيرا عن قتله، لأن الخلق كلهم مشتركون في أنهم عبيد الله؛ فهم كالإخوة في ذلك، ولأنهم أولاد أب واحد وأم واحدة؛ والثاني: أن المراد به وليّ الدّم، وسمّي أخا ترغيبا له في العفو، و «من» على هذا لابتداء الغاية، وهذا الوجه أحسن، لوجهين: أحدهما: أن كون «من» لابتداء الغاية أشهر من كونها للسببية، والثاني: أن الضمير في قوله تعالى: {وَأَداءٌ إِلَيْهِ} راجع إلى مذكور في هذا الوجه دون الأول.

  وظرف الزمان، كقولك «صيم رمضان» وأصله صام الناس رمضان.

  وظرف المكان، كقولك «جلس أمامك» والدليل على أن الأمام من الظروف المتصرفة التي يجوز رفعها قول الشاعر:

  ٧٤ - فغدت كلا الفرجين تحسب أنّه ... مولى المخافة خلفها وأمامها

  فموضع «كلا» رفع بالابتداء، و «خلفها» بدل منه، و «أمامها» عطف عليه،


٧٤ - هذا بيت من الكامل من معلقة لبيد بن ربيعة العامري التي مطلعها:

عفت الدّيار محلّها فمقامها ... بمنى تأبّد غولها فرجامها