شرح شذور الذهب،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

للفاعل ونائبه خمسة أحكام

صفحة 208 - الجزء 1

  ٨٢ - نتج الرّبيع محاسنا ... ألقحنها غرّ السّحائب

  ٨٢ - هذا بيت من الكامل من كلام أبي فراس الحمداني، ابن عم سيف الدولة الحمداني، وأبو فراس هو صاحب الشاهد (رقم ٦) السابق شرحه في أول الكتاب، وقبل هذا البيت قوله:

  يا أيّها الملك الّذي ... أضحت له جمل المناقب

  نتج الرّبيع محاسنا ... ألقحنها ... البيت،

  وبعده:

  راقت ورقّ نسيمها ... فحكت لنا صور الحبائب

  حضر الشّراب فلم يطب ... شرب الشّراب وأنت غائب

  وأبو فراس الحمداني صاحب هذا الشاهد ممن لا يحتج بشعره على قواعد اللغة ومفرداتها: لأنه مولد، ولعل المؤلف إنما أراد التمثيل بهذا البيت، ولم يرد الاحتجاج به، وفرق بين الاحتجاج والتمثيل، وقد أنشد المؤلف بيت الشاهد في أوضح المسالك (رقم ٣٠٨).

  اللّغة: «نتج» هو ههنا فعل مبني للمعلوم، وفي كلام العرب فعل من هذه المادة ملازم البناء للمجهول، تقول: نتج القوم الناقة - بالبناء للمعلوم - وتقول: نتجت الناقة - بالبناء للمجهول لا غير - فإذا أردت معنى استولد جئت بالفعل مبنيا للمعلوم، وإذا أردت معنى ولد جئت بالفعل مبنيا للمجهول وأسندته إلى الناقة وشبهها، ومن الأول قول الشاعر، وينسب إلى قيس بن حصين بن زيد الحارثي:

  أكلّ عام نعم تحوونه ... يلقحه قوم وتنتجونه

  الإعراب: «نتج» فعل ماض مبني للمعلوم، مبني على الفتح لا محل له من الإعراب، «الربيع» فاعل نتج، «محاسنا» مفعول به لنتج، «ألقحنها» ألقح: فعل ماض، والنون علامة على جمع الإناث، وضمير الغائب العائد إلى المحاسن مفعول به، «غر» فاعل ألقح، وغر مضاف، و «السحائب» مضاف إليه، وسكن لأجل الوقف.

  الشّاهد فيه: قوله «ألقحنها غرّ السحائب» فإن قوله «غر» فاعل «ألقح» وغر: جمع غراء، وقد ألحق بالفعل علامة جمع المؤنث، وهي النون، مع إسناده إلى الفاعل الظاهر الذي هو غر السحائب، وليست هذه النون هي الفاعل وما بعدها بدل منها؛ لأن جعل النون علامة يجري على لغة جماعة مخصوصين من العرب، وهم الذين يلحقون بالفعل علامات التثنية والجمع، كما يلحق جميع العرب علامة التأنيث، فإن جعلت النون فاعلا و «غر السحائب» بدلا منه - كان ذلك جاريا على لغة جمهور العرب، ولم يكن خاصّا بلغة قوم منهم.