الرابع: أن يكون صاحبها معرفة وربما جاء نكرة
  فإن بداد في الأصل علم على جنس التبدّد، كما أن فجار علم للفجرة.
  الرابع: أن لا يكون صاحبها نكرة محضة، كما تقدم من الأمثلة؛ وقد تأتي كذلك كما روى سيبويه من قولهم «عليه مائة بيضا» وقال الشاعر؛ وهو عنترة العبسي:
  ١١٩ - فيها اثنتان وأربعون حلوبة ... سودا كخافية الغراب الأسحم
  فحلوبة: لتمييز العدد، وسودا: إما حال من العدد، أو من حلوبة، أو صفة، وعلى هذين الوجهين ففيه حمل على المعنى؛ لأن حلوبة بمعنى حلائب، فلهذا صح أن يحمل عليها سودا، والوجه الأول أحسن(١).
١١٩ - هذا بيت من الكامل من معلقة عنترة بن شداد العبسي التي مطلعها:
هل غادر الشّعراء من متردّم؟ ... أم هل عرفت الدّار بعد توهّم؟
اللّغة والرّواية: «حلوبة» أي محلوبة، وهو في الأصل صفة لموصوف محذوف، والحلوبة تستعمل بلفظ واحد للمفرد والمثنى والجمع، ويروى في مكانه «خلية»، والخلية أن يعطف على الحوار ثلاث نياق، ثم يتخلى الراعي بواحدة منهن، فتلك هي الخلية، «سودا» يروى بالرفع وبالنصب، وسنبين وجه الروايتين، «كخافية» للطائر أربع خواف، وهن من ريش الجناح مما يلي الظهر، «الأسحم» الأسود.
الإعراب: «فيها» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدر، «اثنتان» مبتدأ مؤخر، «وأربعون» معطوف عليه، «حلوبة» تمييز، «سودا» من رواه بالنصب فهو يحتمل ثلاثة أوجه؛ الأول: أن يكون صفة لحلوبة، الثاني: أن يكون حالا من العدد، الثالث: أن يكون حالا من حلوبة، ومن رواه بالرفع فهو نعت لقوله اثنتان وأربعون، قال التبريزي: «فإن قيل: كيف جاز أن
(١) اعلم أن حلوبة على زنة فعولة، وأنها بمعنى مفعولة، وأن الأصل في فعول بمعنى مفعول أن يذكر إذا كان الموصوف به مذكرا، ويؤنث إذا كان الموصوف به مؤنثا، ويثنى إذا كان الموصوف به مثنى، ويجمع إذا كان الموصوف به جمعا، واعلم أن الحال وصف لصاحبه كالخبر والنعت، ومتى علمت هذا سهل عليك أن تفهم السر في كون الوجه الأول أحسن الوجوه الثلاثة، وبيانه أن «سودا» جمع، فلو جعلته حالا من اسم العدد لكان فيه ما يشبه وصف الجمع بالجمع، وهو صحيح بلا حاجة إلى تأويل، ولو جعلت «سودا» حالا من حلوبة أو وصفا له لكان فيه وصف ما هو جمع لفظا؛ فلا بد له من التأويل؛ لأن التطابق بين الوصف والموصوف ضروري؛ ولهذا كان من اللازم أن نقول: إن الحلوبة بمعنى الحلائب، نعني أنه إذا كان في اللفظ مفردا فهو في المعنى جمع؛ لأن العدد الذي هو اثنتان وأربعون ملحوظ فيه.