المجاز العقلى
البحث:
  انظر إلى المثالين الأولين تجد أن الفعل في كل منهما أسند إلى غير فاعله، فإن العكاز لا يمشى، والأمير لا يبنى، وإنما يسير صاحب العكاز، ويبنى عمّال الأمير، ولكن لما كان العكاز سببا في المشي والأمير سببا في البناء أسند الفعل إلى كل منهما.
  ثم انظر إلى المثالين التاليين تجد أن الصوم أسند إلى ضمير النهار، والقيام أسند إلى ضمير الليل، والازدحام أسند إلى الشوارع، مع أن النهار لا يصوم، بل يصوم من فيه، والليل لا يقوم، بل يقوم من فيه، والشوارع لا تزدحم، بل يزدحم الناس بها، فالفعل أو شبهه في هذين المثالين أسند إلى غير ما هو له، والذي سوّغ ذلك الإسناد أن المسند إليه في المثالين زمان الفعل أو مكانه.
  وفي المثال الخامس أسند الفعلان «جدّ» و «كدّ» إلى مصدريهما ولم يسندا إلى فاعليهما. وفي المثال السادس يقول الحطيئة لمن يهجوه: «واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسى» فهل تظن أنه بعد أن يقول: لا ترحل لطلب المكارم يقول له: إنك تطعم غيرك وتكسوه؟ لا. إنما أراد اقعد كلّا(١) على غيرك مطعوما مكسوّا فأسند الوصف المسند للفاعل إلى ضمير المفعول.
  وفي المثالين الأخيرين جاءت كلمة «مستورا» بدل ساتر و «مأتيّا» بدل آت، فاستعمل اسم المفعول مكان اسم الفاعل، وإن شئت فقل أسند الوصف المبنىّ للمفعول إلى الفاعل.
  فأنت ترى من الأمثلة كلها أنّ أفعالا أو ما يشبهها لم تسند إلى فاعلها الحقيقي، بل إلى سبب الفعل أو زمانه أو مكانه أو مصدره، وأنّ صفات كانت من حقها أن تسند إلى المفعول أسندت إلى الفاعل.
  وأخرى كان يجب أن تسند إلى الفاعل أسندت إلى المفعول، ومن
(١) الكل: من يعوله غيره.