البلاغة الواضحة،

علي الجارم (المتوفى: 1368 هـ)

أثر علم البيان في تأدية المعاني

صفحة 133 - الجزء 1

أثر علم البيان في تأدية المعاني

  ظهر لك من دراسة علم البيان أنّ معنى واحدا يستطاع أداؤه بأساليب عدّة وطرائق مختلفة، وأنّه قد يوضع في صورة رائعة من صور التشبيه، أو الاستعارة، أو المجاز المرسل، أو العقلي، أو الكناية.

  فقد يصف الشاعر إنسانا بالكرم فيقول:

  يريد الملوك مدى جعفر ... ولا يصنعون كما يصنع

  وليس بأوسعهم في الغنى ... ولكنّ معروفه أوسع

  وهذا كلام بليغ جدّا مع أنه لم يقصد فيه إلى شبيه أو مجاز، وقد وصف الشاعر فيه ممدوحه بالكرم وأن الملوك يريدون أن يبلغوا منزلته، ولكنهم لا يشترون الحمد بالمال كما يفعل، مع أنه ليس بأغنى منهم ولا بأكثر مالا.

  وقد يعمد الشاعر عند الوصف بالكرم إلى أسلوب آخر فيقول:

  كالبحر يقذف للقريب جواهرا ... جودا ويبعث للبعيد سحائبا

  فيشبّه الممدوح بالبحر، ويدفع بخيالك إلى أن يضاهى بين الممدوح والبحر الذي يقذف الدرر للقريب ويرسل السحائب للبعيد.

  أو يقول:

  هو البحر من أىّ النواحي أتيته ... فلجّته المعروف والجود ساحله

  فيدعى أنه البحر نفسه وينكر التشبيه نكرانا يدل على المبالغة وادعاء المماثلة الكاملة

  أو يقول:

  علا فما يستقرّ المال في يده ... وكيف تمسك ماء قنّة الجبل

  فيرسل إليك التشبيه من طريق خفىّ ليرتفع الكلام إلى مرتبة أعلى في البلاغة، وليجعل لك من التشبيه الضمنىّ دليلا على دعواه، فإنه ادعى