البلاغة الواضحة،

علي الجارم (المتوفى: 1368 هـ)

البحث:

صفحة 138 - الجزء 1

  (٥) وأوصى عبد اللّه بن عبّاس⁣(⁣١) رجلا فقال:

  لا تتكلّم بما لا يعنيك، ودع الكلام في كثير ممّا يعنيك حتّى تجد له موضعا.

  (٦) وقال أبو الطيب:

  لا تلق دهرك إلّا غير مكترث ... ما دام يصحب فيه روحك البدن⁣(⁣٢)

البحث:

  يخبرنا أبو إسحاق الغزّىّ بأن أبا الطيب المتنبي هو الذي نشر فضائل سيف الدولة بن حمدان وأذاعها بين الناس. ويقول: لولا أبو الطيب ما ذاعت شهرة هذا الأمير، ولا عرف الناس من شمائله كل الذي عرفوه، وهذا قول يحتمل أن يكون الغزىّ صادقا فيه كما يحتمل أن يكون كاذبا؛ فهو صادق إن كان قوله مطابقا للواقع، كاذب إن كان قوله غير مطابق للواقع.

  والمتنبي في المثال الثاني يخبر عن نفسه بأنه قانع راض بحاله التي هو فيها، فليس من عادته أن يتطلع مستشرفا إلى ما هو آت، وليس من دأبه أن يندم على ما فات، ومن المحتمل أن يكون كاذبا غير صادق.

  كذلك يجوز أن يكون أبو العتاهية في المثال الثالث صادقا فيما قال وادعى، ويجوز أن يكون غير صادق:

  انظر بعد ذلك إلى المثال الرابع تجد قائله ينادى ولده ويأمره أن يتعلم حسن الحديث، وذلك كلام لا يصحّ أن يقال لقائله إنه صادق فيه أو كاذب؛ لأنه لا يعلمنا بحصول شئ أو عدم حصوله، وإنما هو ينادى ويأمر.


(١) هو عبد اللّه بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، أحد أكابر الصحابة في العلم سمى بالحبر لسعة علمه، ومات بالطائف سنة ٦٨ هـ.

(٢) يقول: لا تبال الزمان وصروفه ما دمت حيا؛ فإن الشدة والرخاء يتعاقبان فيه على الحي، فلا يأس مع الحياة.