البلاغة الواضحة،

علي الجارم (المتوفى: 1368 هـ)

[الاستعارة]

صفحة 105 - الجزء 1

  (٧)

  اشرح قول المتنبي بإيجاز، واذكر ما أعجبك فيه من التصوير البياني:

  رماني الدّهر بالأرزاء حتى ... فؤادي في غشاء من نبال⁣(⁣١)

  فصرت إذا أصابتنى سهام ... تكسّرت النّصال على النصال⁣(⁣٢)

(٥) بلاغة الاستعارة

  سبق لك أن بلاغة التشبيه آتية من ناحيتين: الأولى تأليف ألفاظه، والثانية ابتكار مشبه به بعيد عن الأذهان، لا يجول إلا في نفس أديب وهب اللّه له استعدادا سليما في تعرّف وجوه الشّبه. الدقيقة بين الأشياء، وأودعه قدرة على ربط المغانى وتوليد بعضها من بعض إلى مدى بعيد لا يكاد ينته.

  وسرّ بلاغة الاستعارة لا يتعدى هاتين الناحيتين، فبلاغتها من ناحية اللفظ أنّ تركيبها يدل على تناسى التشبيه، ويحملك عمدا على تخيّل صورة جديدة تنسيك روعتها ما تضمّنه الكلام من تشبيه خفى مستور.

  انظر إلى قول البحتري في الفتح بن خاقان:

  يسمو بكف على العافين حانية ... تهمى وطرف إلى العلياء طمّاح⁣(⁣٣)

  ألست ترى كفه وقد تمثّلت في صورة سحابة هتّانة تصبّ وبلها على العافين السائلين، وأنّ هذه الصورة قد تملكت عليك مشاعرك فأذهلتك عما اختبأ في الكلام من تشبيه؟


(١) الأرزاء: المصائب، والغشاء: الغلاف، والنبال: السهام العربية، يقول: كثرت على مصائب الدهر حتى لم يبق من قلبي موضع إلا أصابه سهم منها فصار في غلاف من السهام.

(٢) النصال: حدائد السهام، يقول: صرت بعد ذلك إذا أصابتنى سهام من تلك المصائب لا تجد لها موضعا تنفذ منه إلى قلبي، وإنما تقع نصالها على نصال السهام التي قبلها فتنكسر عليها.

(٣) العافين: سائلى المعروف، وحانية: عاطفة شفيقة، وتهمى: تسيل، والطرف:

البصر، والطماح: الذي يغالى في طلب المعالي والسعي وراءها.