البلاغة الواضحة،

علي الجارم (المتوفى: 1368 هـ)

أثر علم البيان في تأدية المعاني

صفحة 134 - الجزء 1

  أنه لعلو منزلته ينحدر المال من يديه، وأقام على ذلك برهانا فقال:

  «وكيف تمسك ماء قنّة الجبل؟»

  أو يقول:

  جرى النهر حتى خلته منك أنعما ... تساق بلا ضنّ وتعطى بلا منّ⁣(⁣١)

  فيقلب التشبيه زيادة في المبالغة وافتنانا في أساليب الإجادة، ويشبه ماء النهر بنعم الممدوح بعد أن كان المألوف أن تشبّه النعم بالنهر الفياض.

  أو يقول:

  كأنه حين يعطى المال مبتسما ... صوب الغمامة تهمى وهي تأتلق⁣(⁣٢)

  فيعمد إلى التشبيه المركب، ويعطيك صورة رائعة تمثّل لك حالة الممدوح وهو يجود، وابتسامة السرور تعلو شفتيه.

  أو يقول:

  جادت يد الفتح والأنواء باخلة ... وذاب نائله والغيث قد جمدا

  فيضاهى بين جود الممدوح والمطر. ويدّعى أن كرم ممدوحه لا ينقطع إذا انقطعت الأنواء أو جمد القطر.

  أو يقول:

  قد قلت للغيم الرّكام ولجّ في ... إبراقه وألحّ في إرعاده⁣(⁣٣)

  لا تعرضنّ لجعفر متشبّها ... بندى يديه فلست من أنداده

  فيصرح لك في جلاء وفي غير خشية بتفضيل جود صاحبه على جود الغيم، ولا يكتفى بهذا بل تراه ينهى السحاب في صورة تهديد أن يحاول التشبّه بممدوحه لأنه ليس من أمثاله ونظرائه.

  أو يقول:

  وأقبل يمشى في البساط فما درى ... إلى البحر يسعى أم إلى البدر يرتقى


(١) الضن: البخل، والمن: الامتنان بتعداد الصنائع.

(٢) تهمى: تسيل، وتألق: تلمع.

(٣) الغيم الركام: المتراكم، ولج وألح: كلاهما بمعنى استمر.