البلاغة الواضحة،

علي الجارم (المتوفى: 1368 هـ)

الإنشاء الطلبى

صفحة 198 - الجزء 1

  (٧) وقال أيضا:

  حتّام نحن نسارى النّجم في الظلم ... وما سراه على خفّ ولا قدم؟⁣(⁣١)

  (٨) وقال أيضا وقد أصابته الحمّى:

  أبنت الدّهر عندي كلّ بنت ... فكيف وصلت أنت من الزّحام؟⁣(⁣٢)

  (٩) وقال تعالى: {سَواءٌ عَلَيْنا أَ وَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ}

  (١٠) وقال تعالى: {فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا؟}

  (١١) وقال تعالى: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ؟}

البحث:

  عرفت فيما مضى ألفاظ الاستفهام ومعانيها الحقيقية. وهنا نريد أن نبين لك أن هذه الألفاظ قد تخرج إلى معان أخرى تستفاد من السياق.

  تدبر الأمثلة المتقدمة تجد البحتري في المثال الأول لا يسأل عن شئ، وإنما يريد أن يقول ما الدهر إلّا شدة سرعان ما تنجلى، وما هو إلا ضيق يعقبه فرج، فلفظة هل في كلامه إنما جاءت للنفي لا لطلب العلم بشئ كان مجهولا.

  وأبو الطيب في المثال الثاني إنما ينكر على الأعداء ارتيابهم في علا كافور والتماسهم البراهين على ما كتبه اللّه له من النصر واختصه به من الجدّ السعيد، بعد أن رأوا كيف يتردى في المهالك كل من أراد به شرّا، وكيف يصيب الزمان كل من نوى له سوءا، فالاستفهام في البيت لا يفيد معنى سوى الإنكار.


(١) نسارى: من السرى وهو مشى الليل، يقول: حتى متى نسرى مع النجم في الليل، وهو لا يسرى على خف كالإبل ولا على قدم كالناس، فلا يتعب مثلنا ومثل مطايانا.

(٢) يريد ببنت الدهر: الحمى التي أصيب بها، وبنات الدهر: شدائده ومصائبه. يقول للحمى: عندي كل نوع من أنواع الشدائد، فكيف لم يمنعك ازدحامها من الوصول إلى.