البلاغة الواضحة،

علي الجارم (المتوفى: 1368 هـ)

(1) مواضع الفصل

صفحة 229 - الجزء 1

  من تدبير الأمور، فهي بدل منها. ولا شك أنك لحظت أن الجملة الثانية مفصولة عن الأولى في كل مثال من الأمثلة الثلاثة، ولا سر لهذا الفصل سوى ما بينهما من تمام التآلف وكمال الاتحاد⁣(⁣١). ولذا يقال إن بين الجملتين كمال الاتصال.

  تأمل مثالي الطائفة الثانية تجد الأمر على العكس، فإن بين الجملة الأولى والثانية في كل مثال منتهى التباين وغاية الابتعاد، فإنهما في المثال الرابع مختلفان خبرا وإنشاء. وهذا جلى واضح. أما في المثال الخامس فلأنه لا مناسبة بينهما مطلقا إذ لا رابطة في المعنى بين قوله: «وإنما المرء بأصغريه» وقوله: «كل امرئ رهن بما لديه»، وهنا تجد الجملة الثانية في كل من المثالين مفصولة عن الأولى، ولا سر لذلك إلا كمال التباين وشدة التباعد⁣(⁣٢)، ولذلك يقال في هذا الموضع إن بين الجملتين كمال الانقطاع.

  انظر إلى المثال الأخير تر أن الجملة الثانية فيه قوية الرابطة بالجملة الأولى؛ لأنها جواب عن سوال نشأ من الأولى، فكأن أبا تمام بعد أن نطق بالشطر الأول توهم أن سائلا سأله، كيف لا يحول حجاب الأمير بينك وبين تحقيق آمالك؟ فأجاب: «إن السماء ترجّى حين تحتجب» فأنت ترى أن الجملة الثانية مفصولة عن الأولى، ولا سر لهذا الفصل إلا قوة الرابطة بين الجملتين، فإن الجواب شديد الارتباط والاتصال بالسؤال فأشبهت الحال هنا من بعض الوجوه حال كمال الاتصال التي تقدمت، ولذلك يقال إن بين الجملتين شبه كمال الاتصال.


(١) لأن الجملة الثانية هنا إما أن تكون بمعنى الأولى أو بمنزلة الجزء منها كما رأيت، وهذا يقتضى ترك العطف لأن الشئ لا يعطف على نفسه، والجزء لا يعطف على كله.

(٢) إنما وجب ترك العطف هنا لأن العطف يكون للجمع بين الشيئين والربط بينهما. ولا يكون ذلك في المعنيين إذا كان بينهما غاية التباين.