البلاغة الواضحة،

علي الجارم (المتوفى: 1368 هـ)

(2) أقسام التشبيه

صفحة 24 - الجزء 1

البحث:

  يشبه الشاعر نفسه في البيت الأول في حال رضاه بالماء الصافي الهادئ، وفي حال غضبه بالنار الملتهبة، فهو محبوب مخوف. وفي المثال الثاني شبّه الليل في الظلمة والإرهاب بالبحر. وإذا تأمّلت التشبيهين في الشطر الأول والمثال الثاني رأيت أداة التشبيه مذكورة بكل منهما، وكلّ تشبيه تذكر فيه الأداة يسمى مرسلا. وإذا نظرت إلى التشبيهين مرة أخرى رأيت أن وجه الشبه بيّن وفصّل فيهما، وكل تشبيه يذكر فيه وجه الشبه يسمى مفصلا.

  ويصف ابن الرومي في المثال الثالث حسن صوت مغنّ وجميل إيقاعه، حتى كأنّ لذة صوته تسرى في الجسم كما تسرى أوائل النوم الخفيف فيه، ولكنه لم يذكر وجه الشبه معتمدا على أنك تستطيع إدراكه بنفسك

  الارتياح والتلذذ في الحالين. ويشبه ابن المعتز الشمس عند الشروق ودينار مجلوّ قريب عهده بدار الضرب، ولم يذكر وجه الشبه أيضا وهو الاصفرار والبريق، ويسمى هذا النوع من التشبيه، وهو الذي لم يذكر فيه وجه الشبه، تشبيها مجملا.

  وفي المثالين الخامس والسادس شبّه الجواد بالبرق في السرعة، والممدوح بالنجم في الرفعة والضياء من غير أن تذكر أداة التشبيه في كلا التشبيهين، وذلك لتأكيد الادعاء بأن المشبه عين المشبه به، وهذا النوع يسمى تشبيها مؤكّدا.

  وفي المثال السابع يسأل المتنبي ممدوحه في تظاهر بالذعر والهلع قائلا:

  أين تقصد؟ وكيف ترحل عنا؟ ونحن لا نعيش إلا بك، لأنك كالغمام الذي يحيى الأرض بعد موتها، ونحن كالنّبت الذي لا حياة له بغير الغمام.

  وفي البيت الأخير يشبه المرقش النشر، وهو طيب رائحة من يصف، بالمسك، والوجوه بالدنانير، والأنامل المخضوبة بالعنم، وإذا تأملت هذه التشبيهات رأيت أنها من نوع التشبيه المؤكد، ولكنها جمعت إلى حذف