البلاغة الواضحة،

علي الجارم (المتوفى: 1368 هـ)

المجاز اللغوي

صفحة 70 - الجزء 1

البحث:

  انظر إلى الشطر الأخير في البيتين الأولين، تجد أن كلمة «الشمس» استعملت في معنيين: أحدهما المعنى الحقيقي للشمس التي تعرفها، وهي لتى تظهر في المشرق صبحا وتختفى عند الغروب مساء، والثاني إنسان وضاء الوجه يشبه الشمس في التلألؤ، وهذا المعنى غير حقيقي، وإذا تأملت رأيت أنّ هناك صلة وعلاقة بين المعنى الأصلىّ للشمس والمعنى العارض الذي استعملت فيه. وهذه العلاقة هي المشابهة، لأن الشخص الوضئ الوجه يشبه الشمس في الإشراق، ولا يمكن أن يلتبس عليك الأمر فتفهم من «شمس تظللنى» المعنى الحقيقي للشمس، لأن الشمس الحقيقية لا تظلّل، فكلمة تظللنى إذا تمنع من إرادة المعنى الحقيقي، ولهذا تسمى قرينة دالة على أن المعنى المقصود هو المعنى الجديد العارض.

  وإذا تأملت البيت الثاني للبحترىّ رأيت أن كلمة «هزبرا» الثانية يراد بها الأسد الحقيقي، وأن كلمة «هزبر» الأولى يراد بها الممدوح الشجاع. وهذا معنى غير حقيقي، ورأيت أن العلاقة بين المعنى الحقيقي للأسد والمعنى العارض هي المشابهة في الشجاعة، وأن القرينة المانعة من إرادة المعنى الحقيقي للأسد هي أن الحال المفهومة من سياق الكلام تدل على أن المقصود المعنى العارض، ومثل ذلك يقال في «أغلب من القوم» و «باسل الوجه أغلبا» فإن الثانية تدل على المعنى الأصلي للأسد، والأولى تدل على المعنى العارض وهو الرجل الشجاع، والعلاقة المشابهة، والقرينة المانعة من إرادة المعنى الأصلي هنا لفظية وهي «من القوم».

  تستطيع بعد هذا البيان أن تدرك في البيت الثاني للمتنبى أن كلمة «حسام» الثانية استعملت في غير معناها الحقيقي لعلاقة المشابهة في تحمّل الأخطار. والقرينة تفهم من المقام فهي حالية. ومثل ذلك كلمة «سحاب» الأخيرة فإنها استعملت لتدل على سيف الدولة لعلاقة المشابهة بينه