[الحرف]
  أي: يغفر لكم بعض(١) ذنوبكم وهي الصغائر من دون التوبة بل تذهب في جنب الحسنات بدليل قوله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}[هود: ١١٤]، أي: يذهبن الصغائر، والآية خطاب لقوم نوح، وكذلك المثال أي: كان بعض مطر.
  (وإلى للانتهاء) قيل: مطلقاً فلا يدخل ما بعدها فيما قبلها إلا مجازاً نحو قوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}[البقرة: ١٧٨]، وقيل: كذلك حيث ما بعدها غير جنس لما قبلها كالآية؛ فإن كان جنساً لما قبلها دخل نحو قوله تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ}[المائدة: ٦]، أي: مع المرافق ومع الكعبين؛ إذ كُلٍّ من اليد والرجل شيء واحد، وهذا هو الصحيح عندنا (وبمعنى «مع» قليلاً) كقوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ}[النساء: ٢]، أي: مع أموالكم.
  (وحتى كذلك) يعني أنها تكون للانتهاء كقوله تعالى: {سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ٥}[القدر]، وهي ظاهرة الدلالة على دخول ما بعدها فيما قبلها فلذلك قال: (وبمعنى «مع» كثيراً) نحو: «أكلت السمكة حتى رأسها» و «نمت البارحة حتى الصباح» أي: مع رأسها ومع الصباح (وتختص بالظاهر) فلا يقال: «حتَّاه» ولا «حتَّاك» لالتباس المنصوب بعدها بالمجرور؛ لجواز(٢)
(١) فإن زعموا أنه يبطله قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا}[الزمر: ٥٣]، قلنا: المراد بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} مع التوبة وقوله: {يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ} المراد أنه يغفر بعض الذنوب من دون التوبة.: (رضي). وقد أجيب بأن قوله تعالى {يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ} خطاب لقوم نوح، وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} خطاب لأمة محمد ~ وعلى آله، ولا بعد في أن يغفر بعض الذنوب لقوم وجميعها لقوم ولو كان أيضاً خطاباً لأمة واحدة فغفران بعض الذنوب لا يناقض غفران كلها بل عدم غفران بعضها يناقض غفران كلها. (رضي).
(٢) قلت: وهذا التعليل فيه نظر إذ لا يلتبس؛ لأنه إذا كان منصوباً انفصل، وقيل: حتى إياه وإياك فكان تعليل الشيخ الذي هو الآخر أظهر، وإذا قيل: ولم انفصل الضمير مع النصب؟ قلنا: لأنها =