سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الثانية

صفحة 99 - الجزء 1

  يعملُ المعصيةَ ويضحكُ، ويهتزُّ طَرَباً وفخراً لأنه حَظِيَ من عاهرةٍ فاجرةٍ بحرامٍ. يزهو فَخُوراً لأنه يشربُ المسكراتِ. يهتزُّ طرباً لأنه استحكمَ بالباطلِ على مُلْكِ الغيرِ، يمشي مَرحاً لأنه لم يَصُمْ في رمضانَ، ولم يُؤدِّ الزكاةَ!

  أين هذا من الإيمانِ والتقوى والخوفِ من اللهِ؟ أبعد الله من أبعد، إن البحثَ عن التقوى - يا عبادَ الله - هو الجهادُ الأكبرُ، الذي يبني النفوسَ ويُرسِخُ أعلامَ الهُدى، فكيفَ يكونُ مؤمِناً من أحبَّ مالاً أو زوجاً أو ولداً أكثر من حبِّه للهِ؟! {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ}.

  وكيف يكون مؤمناً من لم يخالط قلبَه وجلٌ ولا خوفٌ من اللهِ وإنما يخافُ فوتَ منفعةٍ أو وقوعَ ضررٍ؟! ألم يقرأ قولَ اللهِ تعالى: {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} {وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}.

  عبد الله: إنه لا بُدَّ من عملٍ يقومُ به المرءُ داخلَ نفسِه حتى تصلحَ، عملٍ مرهقٍ جادٍّ يكسرُ الرغبةَ الجامحة َوالشهوةَ، ويخضعُ الإنسانُ لوصايا الرحمنِ.

  {فَأَمَّا مَنْ طَغَى، وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى، وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}.

  إذا لم تمح الصلاةُ الحسدَ والحقدَ من نفسِك فلا صلاةَ لك، إن السجودَ الحقيقيَّ ليس مجردَ انطواءِ الجسمِ أمامَ اللهِ فحسبْ. بل هو انقيادُ القلبِ لهدايتِه ووصاياه.

  إذا لم تغير العبادةُ من خُلُقِ المؤمنِ وسجاياه وتصلحْ نفسَه وتُقِمْ اعوجاجَه فلا خيرَ فيها، قال تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}.

  عبادَ الله: هناك مَن يجهلُ أنه مريضٌ ويقاومُ مَنْ يطلبون له الشفاءَ، بل قد يزعُمُ أنه الطبيبُ الخبيرُ بكلِّ شيءٍ، {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ٧ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ٨ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ٩ وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ١٠}.