الخطبة الأولى
[٩] - التفكر
الخطبة الأولى
  
  الحمد للهِ خالق الخلقِ من العدمِ ومنشئِ السحاب الثقال، يسبحُ الرعدُ بحمدِه والملائكةُ من خيفتِه، ويرسلُ الصواعقَ فيصيبُ بها مَن يشاءُ وهم يجادلون في اللهِ وهو شديدُ المحال، نحمدُه حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، لا انقطاعَ له ولا زوال.
  ونشهدُ أَلّا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له ولا كفؤَ ولا شبيهَ ولا ندَّ ولا مثال، الواحدُ الأحدُ الفردُ الصمدُ الحيُّ القيومُ، العظيمُ الحليمُ الكبيرُ المتعال.
  ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبدُ اللهِ ورسولُه، الخاتمُ لما سبق، والفاتحُ لما انغلق، والمعلنُ الحقَّ بالحقِّ، معلمُ البشريةِ ومربي الرجال صلى الله عليه وعلى آله خيرِ آلِ.
  أما بعد:
  عبادَ الله: إن من نظر في بديعِ خلقِ السماواتِ والأرضِ، وتأملَ في ملكوتِ السماواتِ، ليحقُّ له أن يُكبِّرَ اللهَ تعالى على ما أبدعَ فيها من حسنِ الْخَلْقِ وبديعِ التدبيرِ، وجديرٌ بِمَنْ أَمْعَنَ النظرَ والتفكرَ في خلقِ السمواتِ والأرضِ وما بينهما أن يصدعَ بملءِ فِيه {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} فكلُّ ما حواه الكونُ وكلُّ ما تحويه الأفلاكُ كائناً أينما يكون، في الماء أو في الهواءِ أو كان تحتَ الثرى أو طارَ في السماءِ، كلُّ ذلك لغايةٍ وحكمةٍ يعلمُها اللهُ، ليس في الكونِ شيءٌ إلا وللهِ من ورائه حكمة، لا مكانَ للعبثِ ولا موضعَ للفوضى واللعبِ، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}.