سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الثانية

صفحة 109 - الجزء 1

  فكيف ترجو النجاةَ إذن؟! قال له: يا إبراهيمُ حسبي حسبي، أنا أستغفرُ اللهَ وأتوبُ إليه، ولزم العبادةَ والأدبَ مع اللهِ حتى فارق الدنيا.

  نعم، إنه لَمِن كبائرِ الإثمِ وعظيمِ الجرمِ أن يعصيَ العبدُ مولاه في أرضِه وتحتَ سماه، وهو يأكلُ من نعمِه وهو يراه، إن هذا لهو منتهى الخسة والدناءةِ والكفرانِ لنعمةِ مولاه.

  كيف يأكلُ نعمتَه ويطيعُ غيرَه؟ هل من فطرةِ العقولِ أن تجازي المعروفَ بالعقوقِ، وأن تقابلَ الجميلَ بالإساءةِ؟ هل جزاءُ الإحسانِ إلا الإحسانُ؟!

  لقد أحاطَ اللهُ عبادهَ بالنعمِ من كل جانبٍ، خلقَه من لا شيء وأوجدَه من العدمِ، من نطفةٍ ثم من علقة ثم مضغةٍ، ثم نفخَ فيه من روحِه وأسكنَه بطنَ الأمِّ التي تحملُه تسعةَ أشهرٍ، كان غذاؤُه وطعامُه في تلك الظُلماتِ ما أجرى اللهُ له من الدمِ الذي رزقَه إياه في بطنِ أمِّه، ثم أخرجَه من ذلك المكانِ إلى مسرحِ الحياةِ الدنيا، ومنَّ عليِه بالعقلِ دونَ كثيرٍ من الخلقِ، وشقَّ له السمعَ والبصرَ والفؤادَ، وسخر له الكائناتِ من حوله، وجعل له معقِّباتٍ من بين يديه ومن خلفِه يحفظونه من أمرِ الله، ثم أرسلَ إليه رسولاً وأنزلَ معه الكتابَ، ليكونَ له مرشداً ودليلاً، فسبحانَ من خلقَ فسوى وقدرَ وهدى، كيف يقدرُ الإنسان على شكرِ نعمِه التي لا تُعدُّ ولا تُحصى.

  سبحان من لو سجدنا بالعيونِ له ... على شبا الشوكِ والمحمي من الإبر

  لم نبلغ العشرَ من معشارِ نعمتِه ... ولا العشيرَ ولا عشراً من العشر

  اللهم فاجعل أفضلَ صلواتِك ونوامي بركاتِك على حبيبِك المأمونِ وخازنِ علمِكَ المخزونِ، الخاتمِ لما سبقَ، والفاتحِ لما انغلقَ، والمعلنِ الحقَّ بالحقِّ، الدافعِ جيشاتِ الأباطيلِ، والدامغِ صولاتِ الأضاليلِ، حتى أورى قبساً لقابس، وأنارَ ظُلَمَ الطريقِ للحابسِ، وهُدِيَتْ به الأمةُ في خوضاتِ الفتنِ والآثامِ، وأنارتْ نيرات الأحكامِ، وارتفاعُ الأعلامِ، اللهم فارفعه بما كدحَ فيك إلى الدرجةِ العُليا من جنتِك، وآتِه الوسيلةَ والفضيلةَ والشرفَ الأعلى، والدرجةَ العاليةَ الرفيعةَ