الخطبة الأولى
  والنفي هنا: إنما يفيد الحالَ، ويؤذن بوقوعِ الإيمانِ في المستقبل من مفهومِ {لَمَّا}.
  ومن مفهومِ الحديثِ السابقِ يتبين لنا عدمُ صحةِ التقليدِ واعتناقِ أقوالِ الآخرين، بلا قناعةٍ ولا نظرٍ ولا حجةٍ أو دليلٍ.
  إذ أنَّ المقلدَ في معرفةِ اللهِ جاهلٌ بالله.
  فالله تعالى قد مَقَتَ الجهلَ، وذمَّ العبثَ والفوضى، فكيف يمكن ان يتوصلُ جاهلُ بجهله إلى طاعةِ ربِّه، وكثيرٌ من الخلقِ بنوا عباداتِهم لله على الجهلِ والتقليدِ والاتباعِ الأعمى.
  فالمقصرُ في معرفةِ ربِّه، مقصّرٌ في تحصينِ نفسه مهملٌ في واجباته، يرتكب المعاصي والآثامَ بسببِ جهلِه بربِّه وخالقِه، فمعرفةُ اللهِ تعالى دافعةٌ للخيرِ، رادعةٌ عن الشرِّ، وكلما عَظُمَتِ المعرفةُ في قلبِ المرءِ كلما كان أكثرَ استقامةً وثباتاً.
  يقولُ الرسولُ ÷: «من أخذَ دينَه عن التفكرِ في آلاءَ اللهِ والتدبرِ لكتابِهِ والتفهُّمِ لسنتي زالت الرواسي ولم يزل، ومن أخذَ دينَه من أفواهِ الرجالِ فقلدهم فيه مالت به الرجالُ من يمينٍ إلى شمالٍ وكان من دينِ اللهِ على أعظمِ زوال».
  فبهذه الكلماتِ الساطعةِ بَيَّنَ لنا رسولُ اللهِ ÷ أسبابَ انحرافِ كثيرٍ من الخلقِ عن نهجِ الله، وعدمِ المبالاة بالدين.
  وبيّن لنا أن السببَ في ذلك هو الجهلُ بالله، والاعتمادُ على ما نسمعه من أقوالِ الناسِ دون التثبتِ والعملِ عن يقينٍ، وبيَّن في المقابلِ دواعي الثباتِ والاستقامةِ التي لا تغيرُها الأحوالُ، ولا تزلزلها المغرياتُ، وبينَ لنا بأن السببَ يعودُ للمعرفةِ الحقَّةِ التي استقاها أهلُها من التفكرِ في الكونِ والتدبرِ في القرآنِ والسنةِ.
  {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}
  فَرْقٌ كبيرٌ بين إيمانٍ قامَ على قواعدَ وأساسٍ متينٍ ومعرفةٍ حقةٍ، وبين إيمانٍ قامَ على الشكِّ والشبهاتِ واعتمادِ أقوالِ الرجالِ وتقليدِهم فيه.