الخطبة الأولى
  وهنا يظهرُ لنا السرُّ وراءَ خوفِ العلماءِ وحزنِهم مع كثرةِ عبادتِهم، وصفاءِ سرائرِهم وورعِهم وأنّ كلَّ ذلك يرجعُ إلى معرفتِهم بخالقهم والتي أورَثَتْهم الخوفَ والخشيةَ منه تعالى.
  وفي المقابلِ يتضحُ سببُ انهماكِ العصاةِ في الملذاتِ وارتكابِ الفواحشِ دونَ خوفٍ أو مبالاةٍ، وذلك بسبب الجهلِ باللهِ وبعقابِه، وقلةِ المعرفةِ التي زَرَعَتْ عدمَ الثقةِ بأيِّ شيءٍ وإنما أثمرت الظنونَ والشكوكَ في كل شيء {وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنَّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ}.
  وقد بَيَّنَ تعالى لنا سببَ انحرافِنَا وميلِنا عنه واغترارِنا بسواه وأن ذلك يعودُ لعدمِ يقينِنا بوعده ووعيدِه، ونُكْرَانِنا لجميلهِ، وضعفِ تصديقِنا وإيمانِنا بما تهددَنا به.
  قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ٦ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ ٧ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ}.
  طرح اللهُ علينا هذا السؤالَ على سبيلِ الاستنكارِ، ثم أجابَ مُبَيِّناً لنا السببَ وراءَ ذلك كلِّه بقوله: {كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ}.
  هنا مكمنُ العلةِ والداءِ عدم التصديق بوعدِ الله ووعيدِه والتشكيك في مصداقية ما جاء به هو الذي أغرانا بغيره وأبعدنا عنه.
  عبادَ الله: إن الإيمانَ له مراتبُ متفاوتةٌ في القوةِ والضعفِ، وعليه: فإن الإيمانَ بالله يزيدُ وينقصُ، فعلى المؤمنِ أن يسعى لطلبِ ما يقوِّي إيمانَه وصلتَه بربه، ويعمقُ روابطَه باللهِ.
  فأحبُّ الخلق إلى الله أقواهم صِلَةً به، وأقواهم إيماناً به كما في الحديث المروي عن النبي ÷ القائل: «المؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى اللهِ من المؤمنِ الضعيفِ وفي كُلِّ خير».