الخطبة الأولى
  والقوةُ هنا ليست في كبرِ الجسدِ، والفُتُوَّةِ في الجسمِ، وليست في ثروةِ المالِ والممتلكاتِ، ولا في كثر العشيرةِ والأبناءِ، ولا في العدةِ والعتادِ، إنما هي في اليقينِ والتصديقِ، في معرفةِ الحقِّ وقوةِ الإيمانِ به تعالى.
  المؤمن القوي في إيمانه الراسخ في يقينه الجازم في تصديقه.
  المؤمنُ القويُّ هو الذي ملأت عظمةُ اللهِ جوانِحَه، وأينعت معرفتُه تعالى في أحشائِه، وأضاءت سويداءُ قلبِه بنورِ الإيمانِ الذي أثمرَ حبَّه لله تعالى والأُنسَ به.
  والمؤمنُ يزيدُ إيمانُه بزيادةِ يقينه بربه وبقدرِ معرفتِه له، ويضعفُ إيمانُه بشكِّهِ وبما يخامرُ إيمانه من الأوهامِ والظنونِ، وقلةِ التصديقِ، ومن أولئك المؤمنين الأقوياء عمار بن ياسر ¶ حيث وصفه رسول الله ÷ بأنه مليءٌ إيماناً من قمةِ رأسهِ إلى قرارِ قدمهِ واختلط الإيمانُ بلحمِه ودمهِ، فأصبحَ كأنه كتلةٌ من اليقينِ وقطعةٌ من المعرفةِ الخالصةِ التي لا يشوبُها شكٌ، ولا يعتريها شبهةٌ إنها تربيةُ رسولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلى آلِهِ وَسَلَّمَ والتي أنجبت رجالاً يُضْربُ بهم المثل في قوةِ الإيمانِ ورسوخِ العقيدةِ، وأنتجت نماذجَ من أولئك الرجالِ الذين صدقوا ما عاهدوا اللهَ عليه.
  ومن تلك النماذجِ الفريدةِ في قوةِ إيمانِهم ويقينهم الإمامُ علي بنُ أبي طالبٍ # والذي أوضحَ لنا عن مدى معرفتِه بالله وما وصلَ إليه من الإيمانِ حين قال (والله لو كُشِفَ لي الغطاءُ ما ازددتُ يقينا) أي أنه وصل في معرفةِ اللّهِ سبحانَه وتعالى إلى درجةٍ لا يزيدُ يقينُه على ما هو عليه ولو تَكشَّفَت له الحقائقُ وظهرت له الغيبياتُ عياناً.
  لقد سَمَا عليٌّ # بعبادتِه سمواً فريدا يندرُ أن يصلَ إليه أحدٌ فكان يقولُ: (إلهي ما عبدتُّك خوفاً من عقابِك، ولا طمعاً في ثوابك، ولكن وجدتك أهلاً للعبادةِ فعبدتك).