سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الثانية

صفحة 118 - الجزء 1

الخطبة الثانية

  

  الحمدُ للهِ الذي لا تراه عيونُ الناظرين، ولا تخالطه ظنون الظانين، ولا يستدل عليه أحدٌ من المستدلين إلا بما دلَّ به على نفسِه، وأوقفَهم عليه سبحانه من صفتِه، من أنه الفعالُ لما يريدُ من الأشياءِ، وأنه المقتدرُ الفعالُ لما يشاءُ، فدل على نفسِه بما أظهرَ من عجائبِ مصنوعاتِه على ربوبيتِه، فليس له حَدٌّ يُنالُ ولا مثلٌ يُضْربُ به له الأمثالَ، دائمٌ أحدٌ حيٌّ فردٌ صمدٌ عزيزٌ قيومٌ، لا تأخذه سنةٌ ولا نوم.

  ونشهد ألَّا إلهَ إلا هو، وأنه فطرَ السماءَ فبناها، وسطحَ الأرضَ فدحاها، وأخرجَ منها ماءَها ومرعاها، والجبالَ أرساها، متاعاً لخلقه، ورحمةً لعبادِه، وأنه على كل شيء قدير.

  وأشهد أن محمداً عبدُه ورسولُه صلى الله عليه وعلى أهل بيته الطيبين الأخيارِ الصادقين الأبرار، الذين أذهبَ الله عنهم الرجسَ وطهرَهم تطهيرا، أرسلَه بالحقِّ داعياً إلى الحقِّ، وشاهداً على الخلقِ ~ وعلى آله الطيبين الطاهرين.

  عبادَ الله: إن أولَ ما أوجبَ اللهُ على عبادِه، وأمرَ به خلقَه معرفتُه، والعلمُ به وتوحيدُه، ولهذه الغاية خلَقَ اللهُ لنا العقولَ.

  ففيما يروى عن النبي ÷ أنه قال: «قسَّمَ اللهُ العقلَ ثلاثةَ أجزاءٍ، فمن كانت فيه فهو العاقلُ ومن لم تكن فيه فلا عقلَ له: حسنُ المعرفةِ بالله، وحسنُ الطاعةِ لله، وحسنُ الصبرِ لله».

  قال الإمامُ القاسمُ بنُ محمدٍ #: معنى الخبر: ومن لم يفعلْ هذا فلم يستعملْ عقلَه.

  فقد جعلَ اللهُ تعالى البدايةَ الصحيحةَ في السيرِ إليه (المعرفة به)، وهذا هو أساسُ العبوديةِ وأصلُ الإيمانِ. إذ كيف يمكنُ للمرءِ أن يعملَ عملاً دون أن يعرفَ لمن ذلك العمل؟