الخطبة الثانية
  كيف يمكنُ أن يَقْدِمَ على عملٍ وهو يجهلُ مع من يتعامل؟
  لمن يتوجَّهُ بعبادتِه، ومن يقصدُ بقرباته وهو جاهلٌ لمعبودِه وإلهِه؟
  عبادَ الله: إن الأصلَ في كلِّ المعاملاتِ، وجميعِ العلاقاتِ الناشئةِ بينَ طرفين.
  أن تكونَ مبنيةً على العلمِ لا على الجهلِ، مبينةً على الوضوحِ، والمعرفةِ بين الطرفين، فالمرءُ دائماً لا يسمحُ لنفسِه في الدخولِ في أيِّ عملٍ أو معاملةٍ إلا بعد معرفةِ الطرَف الذي يتعاملُ معه.
  وهذا ما يسمى بالشروعِ على بصيرةٍ، أي على درايةٍ وعلم.
  فالمعاملةُ الناجحةُ الصحيحةُ لا بد أن يسبقَها معرفةٌ بنوعِ العملِ ومعرفةٌ بصاحبِ العملِ الذي نتعاملُ معه.
  ولذا: فإن الشرعَ قد ألزمَ في أكثرِ المعاملاتِ الدنيويةِ بالمعرفةِ والعلمِ، ونهى عن التعاملِ بالمجهولِ.
  ونحنُ نَجِدُ من أنفسِنا غريزةً فطريةً تدفعُنا للمعرفةِ بكلِّ شيءٍ، والتطفل لكشفِ ما خفيَ علينا وما جهلناه.
  وأيضاً جميعُ معاملاتِنا الدنيويةِ مبنيةٌ على المعرفةِ والعلمِ في البيعِ والشراءِ، وفي الزواجِ والقروضِ، والإجارةِ والشراكةِ وغيرِها من المعاملاتِ سواء كانت تلك المعاملةُ طويلةَ الأمدِ أم قصيرةً وسواء كانت حقيرةً أم عظيمةً.
  فهذا هو شأنُ العملِ في الدنيا وطبيعةُ المعاملةِ بين الناسِ في الأمور الدنيوية.
  فما السببُ وراءَ ذلك وما الفائدةُ من ذلك؟
  إن العاملَ إذا عرفَ قدرَ مَنْ يتعاملُ معه ومكانتَه أدى العملَ بقدرِ صاحبِه فإن كان عالماً فطناً بصيراً أتقنَ له العملَ وأحسنَ له الأداءَ، وأكمل في صنعه، لأنه يعرفُ أنه إذا تهاونَ في عملِه ردَّهُ عليه، ولم يقبلْه منه، وأنه سَيَحْرِمُه أجرَه، وربما عاقبه على إهمالِه وتقصيرِه.