سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الثانية

صفحة 120 - الجزء 1

  فالمعرفةُ تجعلُ العاملَ يقظاً في عملِه، مراقباً لعملِه محاسباً لنفسِه تجعلُه يتقنُ ويحسنُ ويبلغُ الجهدَ في الأداءِ.

  المعرفةُ تُكسبُ صاحبَها الثقةَ مع من يتعاملُ معه، والركونَ إليه في ما وعد، والتصديقَ بأنه سيفي بما وعد.

  المعرفةُ تقوي الصلةَ بين الطرفين، وتبني علاقةً متينة ورابطةً قويةً تثمرُ المحبةَ والولاءَ والأنسَ.

  عبادَ الله: إذا كانت تلك طبيعةُ علاقاتنا في الدنيا فكيف نحن في أمرِ الدين؟ وعلى أيِّ أساسٍ بنينا معاملاتِنا الدينية؟ وما مدى معرفتِنا بخالقنا وما مقدارُ علاقتنا به؟

  إن العبادةَ لله تعالى هي نوعٌ من أنواعِ المعاملةِ ولكنها معاملةٌ من نوعٍ خاصٍ، معاملةٌ ذاتُ مستوى رفيعٍ، إنها معاملةٌ مع مالِكِ هذا الكونِ ومنشئِ الوجودِ والموجدِ للحياةِ، ومن بيدِه مقاليدُ السماواتِ والأرضِ.

  نحن نتعاملُ مع القوي القاهرِ والحيِّ الدائمِ، الغنيِّ الحميدِ، العليمِ الخبيرِ البصيرِ، الذي كلُّ شيءٍ عنده بمقدار.

  فلا بد من أن نُعيدَ النظرَ في كلِّ أمرٍ نتعاملُ به معه، وأن نهيئَ أنفسَنا ونُعِدَّها على أتمِّ حالٍ، وأن نستحضرَ كلَّ ما يلزمنا لأداءِ ما كُلفْنا به من العباداتِ، بحيثُ نؤدي ذلك العملَ في يقظةٍ تامةٍ، وحذرٍ شديدٍ.

  فنحن أمامَ معاملةٍ مع خبير بصيرٍ، وناقدٍ عليمٍ، لا يليقُ أن يُقدّمُ له إلا الحسنُ الطيبُ المتقنُ، إليه يصعدُ الكلمُ الطيبُ، والعملُ الصالحُ يرفعُه، وما سوى ذلك فمردودٌ على صاحبِه لا يقبلُه الله.

  {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}