سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الثانية

صفحة 121 - الجزء 1

  عبادَ الله: لا ينبغي أن تُبنى مثلُ هذه المعاملة على جرفٍ هارٍ، وعلى معرفةٍ سطيحةٍ وعلاقةٍ هَشَّةٍ.

  لا بد أن تكونَ هذه البدايةُ مبنيةً على أساسٍ صلب، وقاعدةٍ متينةٍ، وأصولٍ راسخةٍ، على معرفةٍ يقينيةٍ خاليةٍ من الشكِّ والارتيابِ.

  قال تعالى: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}.

  عبادَ الله: إن البدايةَ يجبُ أن تكونَ سليمةً، وفي الطريقِ الصحيحِ، وأن تُبنى على معرفةٍ وعلمٍ، لا على غفلةٍ وجهلٍ.

  كما حكى اللهُ تعالى عن منهجِ نبيِّه وطريقتِه في المعاملةِ مع مولاه والدعوة إليه.

  فقال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.

  فالمعرفة ُلله تعالى هي أولُ الطريقِ، وأولُ ما يجبُ على المكلفِ العلم به، بدلالة الشهادتين اللتين يُعَدُّ النطق بهما بوابة الدخول في الإسلام وأول أركانه.

  والشهادةُ لا تكونُ إلا ممن علمَ صحةَ ما شهدَ به يقينا، وإلا كانت كذباً إذا لم تكن من القلبِ وإن طابقَت الواقعَ، مثلُها مثل شهادةِ المنافقين التي ردَّها اللهُ عليهم حين قالوا: نشهدُ إنك لرسولُ اللهِ واللهُ يعلمُ إنك لرسولُه والله يشهدُ إن المنافقين لكاذبون.

  فالشهادةُ إذا لم تطابق القلبَ ولم يطابقْ فيها السرُّ الإعلانَ فليست بشهادةٍ.

  فلهذا كلِّه كان لا بد من المعرفةِ للهِ، وذلك لأن المعاملةَ المبنيةَ على المعرفةِ تدومُ وتثمرُ بالإيمانِ الكاملِ والرجاءِ الصادقِ والعملِ الخالص.

  ومن باب أولى أن نوثقَ أمورَنا في الدينِ، وأن نوليها الاهتمامَ البالغَ قبل غيرِها، وعلينا أن نسائلَ أنفسَنا لماذا نتحجرُ في أمورِ الدنيا ومعاملاتِها، فلا نعقدُ