سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الأولى

صفحة 127 - الجزء 1

  عبادَ الله: إننا في كلِّ صلاةٍ من صلواتِنا نردد سورةَ الفاتحةِ، وندعو اللهَ من خلالِ آياتها أن يهدينا صراطَه المستقيم، وأن يدلَّنا على صراطِ عبادِه الصادقين، الذين أنعمَ عليهم باتباعِه، ونسألُه أن يجنبَنا صراطَ المغضوبِ عليهم من اليهودِ ومن والاهم، والضالين من النصارى ومن شايعَهم، هكذا علّمنا اللهُ ورسولُه أن ندعوَه في صلواتِنا وأورادنِا ومناجاتِنا.

  إن اللهَ قد غَضِبَ على اليهودِ، ولعنَهم وطردَهم من رحمتِه؛ لأنهم ابتدعوا في دينهم ما ليس منه، وشرعُوا لهم من الأحكامِ ما لم يأذن به اللهُ من الأباطيلِ والخرافاتِ، والافتراءاتِ والأكاذيبِ، التي ما أنزل اللهُ بها من سلطانٍ، وكذا النصارى ضلوا وأضلوا، وحرفوا وبدلوا، لما ادعوا ألوهيةَ عيسى وأمِّه # وغير ذلك من الأباطيل التي بينها اللهُ في القرآن.

  عبادَ الله: إن كلاً من اليهودِ والنصارى كانوا يصلون ويصومون ويتصدقون، ولكنهم ضلوا في العقيدةِ والتوحيدِ وحرفوها، وزوروها، يحرفون الكَلِمَ عن مواضعِه، ونسوا حظاً مما ذُكِّرُوا به.

  عبادَ الله: من المعلومِ الذي لاشكَّ فيه أنَّ كلاً من اليهودِ والنصارى قد ضلَّ عن سبيلِ اللهِ، واللهُ قد بيّنَ لنا أسبابَ ضلالِهم وغوايتِهم في القرآنِ الكريمِ، والله سبحانه وتعالى لم يعرض علينا أخبارَ اليهودِ من بني إسرائيلَ وقصصِ النصارى وغيرِهم إلا لنعتبرَ ونتعظَ ونأخذَ من سيرِهم العبرة والعظة.

  {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} والمرادُ بالعبرةِ هو أنْ تأخذَ درساً من غيرِك وتستفيدَ من أخطائِهم، ومن أجلِ أن نحذرَ أن نقعَ فيما وقعوا فيه، أو أن نقولَ بمقالتهم، فنستحق بذلك غضبَ اللهِ وسخطَه، وفي هذا الشأنِ وردَ حديثٌ عن الرسولِ الأعظمِ ~ وعلى آلِه يحذرُنا من ذلك حيثُ قالَ: «لتتبعنَّ سُنَنَ مَن كان قبلَكم حذوَ القذة