الخطبة الأولى
  {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} الصراطَ السوي المنزه عن مقالات اليهود التي لعنوا عليها وغضبَ اللهُ عليهم بسببِها كما حكى اللهُ عنهم: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ}، أرادوا بمقالتِهم هذه أنَّ الله بخيلٌ، فردَّ الله عليهم بقوله تعالى: {غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا}.
  فمن قال بمقولتهم هذه استحق من اللهِ الغضبَّ واللعنةَ، ومنها قوله تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} فمن هذه الآيةِ يتضحُ لنا بأنَّ الذين لا يتناهون عن المنكرِ عاصون معتدون معطلون لحدود الله ملعونون.
  عبادَ الله: يجبُ أن نتأملَ في كتابِ اللهِ، وأن نقفَ مع كلِّ آية نتدبرَها ونتأملَها، ونعملُ بما فيها، فليس المرادُ مجردَ القراءةِ، فكم من قارئٍ للقرآنِ والقرآنُ يلعنُه.
  فإياكم عبادَ الله من الغفلةِ، واللهُ ينبهنا بقوله: {وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ}
  عبادَ الله: إذا كان بنو إسرائيلَ قد أخطأوا وأذنبوا، فلا ينبغي لنا أن نقعَ في خطأٍ قد بينَه اللهُ لنا في القرآنِ الكريمِ، ورد عليهم بأن هذا خطأ، وهذا غيرُ جائزٍ، ونحن نقرأُ ذلك في كتابِنا وقرآنِنا ونؤمنُ بما جاءَنا به، وإلا فما الفائدةُ أن ينزل ذلك علينا في القرآن: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ}.
  ومِن ذلِك قولُ بعضِ الناسِ بأن أهلَ النارِ سيخرجون منها مع أن بني إسرائيلَ قد قالوها من قبلُ، قال تعالى: {وَقَالُوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَّعْدُودَةً} هذا قولُهم وهذه عقيدَتُهم؛ فردَّ اللهُ عليهم بقوله تعالى: {قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْداً فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}.