سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الثانية

صفحة 144 - الجزء 1

  أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ذلك لأنه خليفةُ اللهِ في أرضه ورسولُه إلى خلقِه فأين نحن من تلك الآدابِ وأين هذه الأمةُ من تلك لقد أصبحنا في حالةٍ يُرثى لها فلا من اللهِ نستحي ولم يعد في القلوب وزنُ ذرةٍ من التعظيمِ للهِ والإجلالِ لمقامِه، لم نقدِّرِ اللهَ حقَّ قدرِه ولم يعد هناك من يعظمُ شعائرَه ويعظمُ حرماتِه ومقدساتِه بل إن هناك مَن يستخفُّ بالقرآنِ وينكت بآياته ويستهزئ بالعلماء ويسبُّهُم ويهتكُ أعراضَهم، ويستخف بمقامِهم ومكانتِهم حتى بيوت الله أصبحت مسرحاً للضحكِ والمزاح ولعبِ الأطفالِ بلا نكيرٍ، مع ما يصاحبُ ذلك من توسيخٍ لفرشِها وبصاقٍ في أرضِها، وتحدث بالقصصِ والأخبارِ بدلاً من تلاوةِ آياتِ الذكرِ الحكيمِ وتأمُّلها وطلبِ العلم وكثرةِ الأذكارِ والاستغفارِ إن هذا لعمري من قلةِ الدين ومن استخف بشيءٍ من شعائرِ اللهِ فإنه مستخفٌ بحقِ اللهِ ومتطاولٌ على مقامه، عبادَ الله: جهلنا بالله وقلَّتْ معرفتُنا به وقل تعظيمُنا وإجلالُنا له وثقنا بما في أيدي الناسِ ولم نثق بما عندَ اللهِ طمعنا بما عندَ البشرِ ونسينا فضلَ اللهِ، أحببنا كلَّ شيءٍ أكثرَ من حبِّنا للهِ - عظمنا أربابَ الدنيا والسلاطينَ واستخففْنا بعظمةِ اللهِ فكان جزائُنا أن سَلَّطَ اللهُ بعضَنا على بعضٍ وخفنا من كلِّ شيءٍ وأوكلنا الله إلى من يسوموننا سوءَ العذاب فعشنا عبيداً لبعضِنا وخدماً لغيرنا وذلك جزاءُ الظالمين، ليس هناك من صلة لنا بالله، علاقَتُنا مع الله أوهنُ من خيطِ العنكبوتِ قطعنا حبالَ الوصلِ بأنفسِنا وبسوءِ أعمالِنا وقبحِ أفعالنا، صلاتُنا كلُّها لعبٌ وضحكٌ ووسوسةٌ، إن تصدقنا فمِن أبخسِ ما نملِكُ لا نذكرُ اللهَ في شيءٍ ولا نقدره في حالٍ وصدقَ اللهُ القائل {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} وقال تعالى: {مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً} أين التعظيمُ لحرماتِه والإجلالُ لشعائرِه والخوفُ والرهبةُ منه؟

  عبادَ الله: هناك مَن يعبدُ اللهَ خوفا من النارِ وهناك من يعبدُه طمعاً في الجنةِ، ولكن هناك صنفٌ ثالثٌ أعظمُ وأحبُّ إلى اللهِ منهما - سُمُّوا بالأحرارِ لم يدفعهم