الخطبة الأولى
  ألا وإنَّ أولَ ما يجبُ على المؤمنِ هو العلمُ باللهِ ومعرفتُه، ومن ثمارِ المعرفةِ باللهِ أن نعلمَ يقيناً بأن الله يرانا، وأنه مراقبٌ لنا مطلعٌ على أحوالنا، ولا يخفى عليه شيءٌ من أمرِنا، فلو أن عبداً عرفَ ذلك يقينا، وأشعرَ نفسَه بمراقبةِ اللهِ له لكفاه ذلك رادعاً عن معصيةِ اللهِ كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ}.
  فالمراقبةُ للهِ: هي أعظمُ ما يقوي الإنسانَ، ويعينه على الثباتِ والاستقامةِ كما قال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ}.
  أمّا مَن لا يراقبُ اللهَ، ولا يشعرُ نفسَه بأن الله يراه فإنه لا شكَ سيوردُ نفسَه المهالكَ، ويقتحمُ المنكراتِ، لأنه يظنُّ في قرارةِ نفسِه بأنه بعيدٌ عن علمِ اللهِ، وأنه في معزلٍ عن رقابةِ اللهِ، وأنه غيرُ مطلعٍ عليه، بل تراه يخافُ من الناسِ، ويتسترُ منهم، ويتخفى عن أعينِهم، ثم يبارزُ اللهَ بالمعاصي، والعياذُ بالله.
  قال تعالى: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً}.
  عبادَ الله: إن جهلَ الإنسانِ بربِه، وقلةَ معرفتِه لخالقِه، هي التي أوردته المهالكَ، الفرقُ بين المؤمنِ والفاجرِ هو العلمُ.
  المؤمنُ يعيشُ بعلمٍ يرى بنورِ الله، الفاجرُ يعيشُ في جهلٍ يتخبطُ في ظلماتٍ
  المؤمنُ يحسُّ بأنه تحتَ رقابةِ الله، وأن ورائَه مباحثَ، وأنه تحت المجهرِ مكشوفٌ لا يغيبُ لحظةً، ولا يخفى على اللهِ من حالِه شيءٌ، فتراه خائفاً يعملُ بحذرٍ، ويتكلم بميزانٍ، ويحاسبُ نفسَه على كلِّ حركةٍ وسكنةٍ.
  أما الفاجرُ فإنه بجهلِه يظنُّ بأنه بعيدٌ عن رقابةِ اللهِ، وأنه يمكنُه أن يتخفى عن علمِ اللهِ واطلاعِه.