الخطبة الأولى
  وقد ذكر اللهُ لنا حالَ المجرمين يوم ينكرون فعلَهم للفواحشِ بين يدي الله فينطقُ اللهُ الجوارحَ لتشهدَ عليهم بما فعلوا كما قال تعالى: {حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ٢٠ وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ٢١ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ ٢٢ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ٢٣}.
  هنا العلةُ، وهنا محلُّ الخللِ هذا هو السببُ في تهورِكم في فعلِ المعاصي، السببُ في سوءِ ظنِّكم باللهِ، وجهلِكم بربِّكم، واعتقادِكم أنه لا يعلمُ كثيراً مما تعملون، وهذا هو الذي أرداكم، وأهلككم فأصبحتم من الخاسرين.
  بل إن اللهَ تعالى يعاتب الإنسانَ على جهلِه بربه بقولِه عز من قائلٍ: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى ١٤ كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ ١٥ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ}.
  الذي ينسى ربَّه ويتجاهلُ خالقَه في الدنيا سيلقى جزائَه في دركاتِ لظى ومقطعاتِ النيرانِ يومَ ينساه اللهُ كما نَسِيَ ربَّه مِنْ قبلُ.
  {الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاء يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ}.
  عبادَ الله: إن علمَ الله ø محيطٌ بالكائناتِ لا يخفى عليه شيءٌ في الأرضِ، ولا في السماءِ، يعلمُ السرَّ وأخفى، يعلم خائنةَ الأعينِ وما تخفي الصدور، يعلم ما يلجُ في الأرضِ وما يخرجُ منها وما ينزلُ من السماءِ وما يعرجُ فيها وهو معكم أينما كنتم، ويعلمُ ما في البرِّ والبحرِ، وما تسقطُ من ورقةٍ إلا يعلمُها، ولا حبةٍ في ظلماتِ الأرضِ ولا رطبٍ ولا يابسٍ إلا في كتابٍ مبين {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا