الخطبة الثانية
  عبادَ الله: رُويَ أن رجلاً اختلى في غابةٍ ليفعلَ المعصيةَ، وظنَّ في نفسِه ألَّا أحدَ يراه، رأى الشجرَ قد غطاه ونسي اللهَ، ورأى الليلَ قد سترَه وحماه وآواه، ونسي اللهَ، ثم قال في قرارةِ نفسه وقد أقبل على المعصيةِ هنا لا يراني أحدٌ، ولا يعلمُ بي أحدٌ فسمع هاتفاً يقولُ: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ١٤}.
  وُرِوَي أن رجلاً شكا إلى أحدِ العُبَّادِ فقال له: إني لا أستطيع الصبرَ عن المعصيةِ ولا طاقةَ لي بالكفِّ عنها.
  فقال له العابد: إن شئتَ أن تعصيَ اللهَ فاعصه في مكانٍ لا يراكَ فيه.
  فقال الرجل، وأين أذهب واللهُ محيطٌ بكل شيء عِلْماً؟!
  قال: ألا تستحي أن تعصيَه وهو يراك؟
  فعاد الرجلُ إلى رشدهِ، وتابَ إلى الله.
  {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً}
  أرسلَ اللهُ تعالى نبيَّه موسى #، وأخاه هارون إلى فرعونَ وأمرَهم بأن يبلغوه رسالةَ الله.
  فردَّ موسى #، وقال: يا ربِّ إنَّ بلساني ثقلاً ولهم عليَّ ذنبٌ وجنايةُ قتلٍ فأخافُ أن يقتلون.
  فأمرَه اللهُ أن يمضيَ لما أُمِرَ، ولا يخاف، وعلمه درساً في الثباتِ فقال تعالى: {قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} وكان هذا الدرسُ كفيلاً بأن يقلبَ كلَّ الموازين في حياةِ موسى #، وأن تتعمقَ صلتُه بربِّه، وتزداد ثقتُه ويقينُه بأن الله تعالى لن يخذلَه، وأنه قريبٌ منه في كلِّ حينٍ، وقد أثبت # نجاحَه في هذا الاختبارِ، واستيعابَه لذلك الدرسِ بعد حينٍ من الزمنِ وذلك عندما خرجَ من مصرَ مع من آمنَ به من قومِه وتبعهم فرعونُ بجنودِه وحالَ عليهم البحرُ من أمامِهم، وفرعونُ من خلفِهم، فوقع موسى وقومُه في اختبارٍ صعبٍ يبين مدى