الخطبة الثانية
  ولكن هيهاتَ هيهاتَ أن يستنجدَ ذلك العبدُ المؤمنُ بغيرِ ربِّه، وهيهاتَ أن يطلبَ الغوثَ من سواه فقد قال كلمتَه الفاصلةَ (حسبي الله ونعم الوكيل) فهو وحده يكفيني ولا أدعو سواه.
  عند ذلك، قُذِفَ بإبراهيمَ # في النارِ.
  فاستقبله جبرائيلُ # في الهواءِ، فقال يا إبراهيمُ ألكَ حاجةٌ.
  فقال إبراهيمُ لجبريلَ @: أمّا إليك فلا.
  فقال جبرائيلُ: إذن فاسأل ربَّك.
  فقال إبراهيم #: حسبي من سؤالي علمه بحالي - أي هو أعلم بي وأدرى بحالي، وما أحتاجه في هذا الحال، وهذا يغني عن سؤالي ـ
  فقال تعالى: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ} وبهذا الأمرِ تلقت النارُ الملتهبةُ بجمرِها المتسعرِ نبيَّ اللهِ إبراهيمَ # كما تتلقى الأمُّ وليدَها لم يمسسْهُ من لهبِها ضرٌّ ولا بأساء، إلا ما أحرق القيودَ وفكَّ عنه تلك الأغلالَ {وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ}
  وتكررَ مشهدٌ آخرُ مع نبيِّنا محمد ÷ وهو مع صاحبِه في الغارِ حين طاردته فلولُ قريشٍ ليلةَ الهجرة إلى المدينةِ ولحقوا به، وقد التجأ في غارِ ثورٍ، ووصلوا إلى بابِ الغار فقال له صاحبُه: لو نظروا تحتَ أقدامِهم لرأونا، قد ينسى المرءُ أحيانا أن وراءَه قدرةً خارقةً، وعنايةً ربانيةً لا تغيبُ عنه، وقد يتسللُ إلى قلبِه الخوفُ والوجلُ لأمرٍ مّا ولكنَّ المؤمنَ دائماً يعودُ إلى رشدِه في النهاية {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ}
  فقال رسولُ الله ÷ عندما رأى خوفَ صاحبِه وما هو فيه من الجزعِ: «ما ظنك باثنين اللهُ ثالثُهما» فهو يُذَكِّرُهُ بأن هناك قوةٌ وقدرةٌ حاضرةٌ في ذلك الوقتِ، لها القدرةُ على أن تحولَ بين هؤلاءِ المشركين وبينما قصدوه من الأذى والكيد.
  فبهذه الثقةِ، وبهذا اليقينِ الصادقِ الذي كان يفيضُ به قلبُ النبي صلى الله