الخطبة الأولى
  وأما حجُّه إن حجَّ فرفثٌ وفسوقٌ، يفعلُ المحظورَ ولا يفدي، ويرتكبُ كلَّ منهي عنه ولا يستبري، لا يعرفُ مناسكَ الحجِّ ولا يستفتي، يمشي مع من مشى، ويرمي مع من رمى، يقلدُ الجهالَ والجمَ الغفيرَ، ويتركُ العَالِمَ البصيرَ، وبعد عودته يدّعي ضلالَ أهلِ ملتِه، وعلماءَ مذهبِه، ويدعي أنهم على غير شيءٍ، وأن الحقَّ مع غيرِهم، بلا دليلٍ ولا حجةٍ، ويغتر بالجمِّ الغفيرِ والجمعِ الكثيرِ ظنا منه أن الحقَّ بالكثرةِ، ونسي قولَ المولى جلَّ ذكرُه: {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}، وقول الإمام علي #: «إن الحقَّ لَا يُعرف بالرجالِ وإنما الرجالُ يعرفون بالحقِّ فاعرفِ الحقَّ تعرف أهلَه قلُّوا أو كثروا».
  عبادَ الله: إن هذه الحالةَ - وللأسفِ - هي ما عليه أغلبُ العوامِ، لا يسمعون نصحاً، ولا يهتدون سبيلاً، لا يحضرون مجلسَ ذكرٍ، ولا محضرَ وعظٍ، ولا يزورون عالماً.
  ترى الواحدَ منهم يعيشُ في عزلة، ويعيشُ في غفلةٍ، قد شُغِلَ بالعاجلِ عن الآجلِ وبالدنيا عن الدينِ، لا يسألُ عن أمورِ دينِه، ولا يلجأُ إلى ركنٍ وثيقٍ، ولا يرجعُ إلى عالمٍ يستفتيه بل يفعل ما وافق هواه.
  لا يسمع وعظاً ولا ذكراً إلا يومَ الجمعةِ إن كان فارغاً، وإن حضر الخطبةَ كان مشغولَ البالِ، شاردَ الذهنِ، وقد يغلبه النعاسُ لشدةِ التعب، ويستسلمُ للنومِ، فلا يوقظه إلا إقامةُ الصلاةِ، فيقومُ لا ليعيدُ وضوءَه، بل ليصطف مع المصلين، ويؤدي صلاتَه بلا وضوءٍ، وعلى غيرِ طهارة.
  فهذه كلها ثمراتُ الجهلِ الذي هلكَ بسببِه كثيرٌ من الخلقِ، وضلوا عن سواءِ السبيل، وإذا نصحت الواحدَ منهم قال في أنفةٍ وكبرٍ: (كلُّ شيءٍ ظاهرٌ) كلٌ قد عرف ما له وما عليه، وطريقُ الحقِّ واضحةٌ.