سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الأولى

صفحة 174 - الجزء 1

  دانت لهم الدنيا من أطرافِ روسيا شرقاً وحتى إسبانيا غرباً وإلى أعماق أوربا شمالاً. بالصبرِ والعزمِ وقوةِ الإيمان، صنعَ محمدٌ بنُ عبدِ اللهِ من أولئك الأعرابِ والبدوِ الرُّحل، أبطالاً وأسوداً يُضرب بهم المثلُ في التضحيةِ والفداءِ. حولوا ممالك الشرقِ والغربِ إلى دولةٍ إسلاميةٍ خالدة تُدين بالولاء والتوحيدِ وتقر بالرسالة، وقادوا المتمردين أذلةً وهم صاغرون يدفعون الجزيةَ ويؤدون الجبايةَ والخراجَ أذلةً وهم صاغرون.

  تحوّل ما يقاربُ ربع العالم إلى مملكةٍ واحدةٍ يقودها أميرٌ واحدٌ، لها عزُّها وهيبتُها وقوتُها. لا يتجاسرُ يهوديٌّ أو نصراني أو مشرك أن يدنسَ قدسيتَها وكرامتَها، إنه نصرُ اللهِ إنه فتحُ اللهِ.

  عبادَ الله: ذلك هو السلطانُ الذي خلّفَهُ لنا رسولُ اللهِ، وذلك ميراثُ اللهِ الذي أورثنا إياه. فما الذي غَيَّرَ الحقائقَ وقلبَ الموازين، لماذا تبدلت الأحوالُ كيف تحولنا من أمةٍ منصورةٍ إلى أمةٍ مهزومة؟

  ما بالنا أصبحنا أذلةً ضعفاءَ خونةً جبناءَ. ما بال المسلمين اليومَ يدفعون الجزيةَ للقردةِ والخنازيرِ ما بال الكفرة والملحدين أصبحوا يتسلطون علينا ويسوموننا سوءَ العذاب؟

  السببُ واضحٌ والأمرُ ظاهرٌ، فما كان نصر المؤمنين إلا سببَ ولائِهم لله وتمسكِهم بحبلِه المتين، والله هو الذي أيدهم بنصرِه، ومن كان مع اللهِ، فاللهُ معه، ومن خاف الله أخاف الله منه كل شيء، ومن خذل الله خذله الله وماله من نصير.

  إننا بطرنا وظَلمنا وابتعدنا عن كلمةِ الحقِّ وابتعدنا عن الإسلامِ والدينِ القيمِ الذي هو سرُّ قوتِنا وعزِّنا، هجرنا معالمَ الشرعِ وتعاليمَ الدينِ فلما زاغوا أزاغَ اللهُ قلوبَهم وأهلكهم بذنوبِهم وجزاهم أسوأَ الذي كانوا يعملون.

  {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ}.