سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الأولى

صفحة 17 - الجزء 1

  يقولُ الرسولُ ÷: «لا تزولُ قدما عبدٍ يومَ القيامةِ حتى يُسأَلَ عن عُمُرِهِ فِيمَ أفناهُ، وعن شبابِهِ فيمَ أبلاهُ، وعن مالِهِ ممَ اكتسبَهُ؟ وفيمَ أنفقهُ؟ وعن حبِّنا أهلَ البيت».

  إنَّ اللهَ قد جَعَل الليلَ والنهارَ خِلْفَةً لمَنْ أرادَ العملَ والتكسبَ ليومِ فقرِه وحاجتِه، ليومِ جوعِهِ وشدّتِهِ، ليومٍ لا ينفعُ فيه مالٌ ولا بنونَ، إلا مَنْ أتى اللهَ بقلبٍ سليمٍ.

  إنَّ اللهَ قد أمرَنَا بالتزودِ ليومِ المعادِ بقوله تعالى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} وأمرَنَا أن نُحاسبَ أنفسَنَا وذلكَ بالنظرِ إلى ما قدمناه، قال تعالى: {وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}.

  احْسِبْ محصولَك؟ واجمعِ القوتَ الذي وفَّرْتَه، وانظر هل يكفيك لرحلةِ الموتِ والسفرِ الطويلِ الذي مقدارُه خمسونَ ألفَ سنةٍ؟

  عبادَ الله: إنَّ اللهَ سيُحاسبُنا على كلِّ لحظةٍ مضَتْ من أعمارِنا سيَسألُنا عن حياتِنا، وما فرطْنا فيهِ من شبابِنا، وعن معاشِنا ونفقاتِنا من أي مصدرٍ اكتسبْناها.

  إنَّ خمسين ألفَ سنةٍ للمحاكمةِ، وقتٌ طويلٌ سيتسعُ لكلِّ صغيرةٍ وكبيرةٍ، وكلِّ شاردةٍ وواردةٍ، لا مجالَ لاختلاقِ الأعذارِ والمبرراتِ وتلفيقِ التهمِ للآخرين، ولا وقتَ للمماطلةِ والإنكارِ والتهربِ من تحملِ المسؤوليةِ.

  {يَقُولُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ ١٠ كَلَّا لَا وَزَرَ ١١ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ ١٢ يُنَبَّأُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ ١٣ بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ١٤ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ}.

  حوالي ستينَ سنةً أمهلَنَا اللهُ فيها لنعملَ، عشراتُ السنين مكنَنا اللهُ فيها بالقوةِ ومتعَنا بالصحةِ والعافيةِ لنعبدَه ونشكرَه فما الذي عملناه؟ ما الذي شغَلَنا عن العملِ؟ ما الذي ألهانا؟ مهما قُلنا: ربَّنا غلبتْ علينا شقوتُنا، شغلتنا أموالُنا وأهلونا، إنا كنا مستضعفين في الأرض. فهذا لن يشفعَ لنا بين يدي اللهِ، إنَّ اللهَ