سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الثانية

صفحة 195 - الجزء 1

  ولكن الجنة ثمنها العمل والبذل والتعب، ونحن نريد أن نأخذ ولا نعطي، نريد كل شيء بلا شيء نريد حياة أبدية سرمدية بنعيم دائم بين جنات ونهر وحور وقصور، وما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، ومع ذلك نبخل أن نقف بين يدي الله ولو خمس دقائق لكل صلاة من خمس صلوات يصير مجموعها ثلث ساعة في اليوم، ثلث ساعة أو ساعة من أربعة وعشرين ساعة نقدمها لله والباقي للنفس، إنها يسيرة سهلة ولا يتعاظم الصلاة ويتثاقلها إلا المنافقون، الذين وصفهم الله بقوله: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى} {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} فهؤلاء يعدونها كبيرة وثقيلة كما قال تعالى.

  أما الخاشعون والمنيبون فهم يرونها سهلةً يسيرةً خفيفةً بل ولا تسكنُ نفوسُهم ولا تلين قلوبُهم إلا بذكرِ اللهِ، والصلاةِ، فتراهم في صلاتهم خاشعين وعلى صلاتِهم دائمون، وعلى صلاتهم يحافظون، وقد روي عن النبي ÷ بأنه قال: «وجُعِلَتْ قُرةُ عيني في الصلاة»، وحتى أنه كان إذا أحزنه أمر فزع إلى الصلاة، بل لقد كانوا ينتظرون الصلاة في لهفةٍ وشوقٍ وإذا حانَ وقتُها نادى النبي بلالاً بقوله: «يا بلالُ أرِحْنَا بالصلاة».

  هذا رسول الله ÷ ينادي بلالاً ليؤذن ليرتاح بالصلاةِ بين يدي ربِّه وتغشاه السكينةُ والطمأنينةُ، بينما نرى في زمانِنا هذا من إذا حضرت الصلاةُ قال: أريحونا منها، فهو يرى بأن الصلاة أصبحت عِبْئاً ثقيلاً عليه - يرى راحته بانتهاء الصلاة لا في الصلاة؛ فالله المستعان!

  عبادَ الله: كثير هم في هذا الزمان القاطعون للصلاة، هناك من يصلي في رمضانَ ويقطعُها في أولِ أيامِ العيد، وهناك من لا يصلي إلا يومَ الجمعةِ من كل اسبوع ومنا من يصلي أربعة فروض ويقطع الفجر وهم كثير، إن الله كامل لا يقبل إلا كاملا، ولا يقبل من عبده عملا ناقصا مهما كان.

  ما مصير هؤلاء وهل يقبل منهم البعض دون البعض؟ وقد قال الله تعالى: