سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الأولى

صفحة 205 - الجزء 1

  امتثالا لأمره تعالى: {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} تأمل معنى هذه الآية لقد أمر الله بأن تحسن بدون قيد، فلم يقل أحسن في عبادتك أو في صومك أو في صلاتك أو حجك أو وضوئك، بل لقد حذف المفعول منها ليفيد الشمول والعموم لكل شيء.

  أحسن يا عبد الله، كما أحسن الله إليك في كل أعمالك وأفعالك وأقوالك وحركاتك وسكناتك، إن الله لم يحسن خلق شيء دون شيء، بل لقد أحسن خلق كل شيء، فأحسن أنت في كل أفعالك وبخاصة التي تتقرب بها إلى الله كما أحسن الله إليك في كل شيء خلقه لأجلك.

  انظر إحسانَ اللهِ إليكَ بنعمِه السابغةِ عليكَ من بدايةِ خلقِك إلى أن سواكَ رجلاً. انظر كيف أحسن الله في كل أفعاله، وتأمل في قوله تعالى: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} بلا نقص ولا عيب، ولا قصور ولا فتور {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}.

  ابنَ آدم: إن الله خلقك فأحسنَ خلقَك فقال مقْسِماً: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} خلقك اللهُ على أحسنِ هيئةٍ، وأكملِ صورةٍ، وأبدعِ تكوين.

  فسبحان الذي خلق الإنسان وصوره، في أي صوره ما شاء ركبه {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}، فأحسنوا كما أحسن الله إليكم.

  إن إحسان الله إلينا لم يقتصر على شكلِ الإنسانِ وصورتِه بل لقد شَمَلَ إحسانُه كلَّ شيءٍ في هذا الكون.

  عبد الله:

  تأمل في هذا الكونِ بما حواه من سماءٍ وأرضٍ وشمسٍ وقمرٍ، وشجرٍ وحيوانٍ، وليلٍ ونهارٍ وغيرِها مما أمتن اللهُ به على ابن آدم، لقد خَلق ذلك كله على أبدع نظام، وأكمل هيئه أينما توجهت وحيثما نظرت تجد إتقان الله وإحسانه