سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الثانية

صفحة 22 - الجزء 1

  إلى اللهِ؛ ارجِعْ إلى ربِّك فهو خيرٌ لك منهم.

  {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُوَنَ} اعمل مع اللهِ بنصفِ الجهدِ الذي تعملُ معهم ولك منه الجنةُ، أطعْ ربَّك وأخلِصْ له مثلَ إخلاصَكَ معهم ولك عليه الجنة.

  هكذا أرادَ اللهُ مِنَّا أن نكونَ، فالعجبُ العجابُ مِن قومٍ يُقَدِّمون طاعةَ الخَلْقِ على طاعةِ الخالق، ويُؤثرونَ رِضاهُم على رِضاه، يخشون الناسَ أشدَّ خشيةً من اللهِ ويحبون الناسَ كحبِّ اللهِ أو أشدَّ حبّاً.

  عبادَ الله: لقد وصلَ الناسُ إلى درجةِ العبوديةِ لبعضِهم البعض، هناكَ مَن يراعي مشاعرَ المخلوقين ويهتمُ بما يقولون عنه. أهَمُّ شيءٍ عندَه أن يحفظَ منزلتَه ومكانتَه في قلوبِ الخلقِ، ولا يهمُهُ في أي سجلٍّ يُكتبُ اسمُه عند اللهِ، لا يعنيه أيُكْتَبُ في سجينٍ أم في عليين.

  إذا ما وقع بين أمرينِ أحدِهما رضا للخلقِ ومسخطٌ للخالقِ، آثرَ رضى الخلقِ على رضى اللهِ، يأكلُ الغلولَ ويمنعُ المواريثَ عن الأرحامِ لئلا يعيّبَه الناسُ، يتركُ التديُّنَ والعبادةَ لئلا يشمتَ بهِ الناسُ، يحضر عند من يستمعُ إلى الغناءِ وهو يعلمُ أنه حرامٌ فلا ينهى لئلا يسخرَ منه المخلوقون.

  هل مثلُ هذا الصنفِ من الناسِ مدينٌ للهِ بالعبودية؟ أمثلُ هذا النوعِ من البشرِ عبدٌ لله أم عبدٌ للناسِ؟ لقد أصبحَ يعيشُ لإرضاءِ الناسِ، همُّه ما يقولون وما يتوعَّدون، هل رَضوا عنه أم هم عليه ساخطون؟

  يقول الرسولُ ÷: «من أسخطَ اللهَ في رضا الناسِ سَخِطَ اللهُ عليه، وأسخطَ عليه مَن أرضاهُ في سخطِه، ومَنْ أرضى اللهَ في سخطِ الناسِ ¥، وأرضى عنه من أسخطَه في رضائه».