الخطبة الأولى
  فأين نحن من هذه التعاليمِ النبويةِ، ونحن نرى من يَعِدُ ثم يُخلفُ الوعدَ ولا يهمه، ويقسم بالأيمانِ المغلظةِ ثم يحنثُ بها ولا يبالي، المهم ألا يخرج من ماله ريالاً واحداً، ولو كان ذلك واجباً عليه وحقاً لغيره فهل هذا جزاء من أحسن اليه وأنقذه في وقت شدته وحاجته؟ وهل أمر ديننا بهذا؟ هل جاء الإسلام بالوفاء والإحسان وإيتاء كل ذي حق حقه، أم بالغدر والخيانة والغش والكذب، والتحايل على أملاك الناس.
  إن الله يأمرُكم أن تؤدوا الأماناتِ إلى أهلِها، إن الإسلامَ قد حرمَ الحسدَ وتمني حقَّ الغيرِ {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ}، مجرد التمني لحق الغير حرام منهي عنه، بل إن مجرد النظر في ملك الغير بعين حسد لا يجوز فما بالك بمن أكله شهاراً جهاراً.
  إن الإسلام قد جاء بالرحمةِ والمواساةِ وهو أن تؤثرَ أخاك على نفسِك وأن تواسيَه من حقِّك. فما بالك بمن يأخذُ مالَ أخيه، ويكنزُه إلى مالِه بدون وجهِ حقًّ {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً} {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً}.
  عبادَ الله: لقد ابتعدنا عن تعاليمِ الدينِ، ونحن لا نشعرُ أهملنا تعاليمَ الإسلامِ عن جهلٍ وتجاهلٍ منا. أصحبنا أشبَه شيءٍ بالوحوشِ كل يخاف على نفسه، وعلى ماله من أخيه وجاره، القوي منا يأكلُ الضعيفَ، والغنيُّ منا يمنع الضعيفَ.
  إن الرسولَ ÷ يقولُ في حقِّ الأمانةِ: «لا إيمانَ لمن لا أمانةَ له، ولا دينَ لمن لا عهدَ له».
  لقد أصبح الإيمانُ عندنا اسماً بلا معنى وجسداً بلا روحٍ. صفاتُ المؤمنِ الحقَّةِ أصبحت شبهَ معدومةٍ نادرةٍ قليلةٍ في مجتمعاتنا اليوم.