الخطبة الثانية
  عدمَ تقديمِ معاملةِ أحدٍ على أحدٍ أولى منه، لأنه قريبُك أو صديقُك أو أهدى إليك هديةً أو دفعَ إليك رشوةً، أو ترجو منه أن يسهلَ لك مهمةً أخرى أو لغيرِ ذلك من الاعتباراتِ غيرِ الشرعية، فإن بعضَ الناسِ يتهاونُ بذلك، وهذا من خيانةِ الوظيفةِ ومن ظلمِ الخلقِ، ربما يتعللُ بعضُ الناسِ بأنه يقدمُ هذا لأنه مسؤولٌ أو تاجرٌ أو صاحبُ سلطةٍ ومستوى رفيعٍ يؤهلَّه أن يتقدمَ على غيرِه، وهذا غيرُ مبررٍ للتقديمِ بل من واجبِ مثلِ هؤلاءِ أن يكونوا أحرصَ الناسٍ على التزامِ النظامِ أسوةً لغيرِهم وأن يكونوا قدوةً لغيرِهم في الالتزام وفي مستوى واحدٍ في المعاملات.
  فهؤلاء هم رعاةُ الأمورِ فهم كبارُ القومِ والذين عهدت إليهم المسئولية الكاملة برعاية مصالح البلد، فعليهم أن يقوموا بهذه الرعايةِ حقَّ رعايتِها، ناصحين فيما لا يستطيعون إلزام الناسِ به، وملزمين فيما لهم حق الإلزام به وأن يراعوا المصالح الدينية والدنيوية فيما رفع إليهم وما لم يرفع لأنهم، ومتى بذلوا الجهد مخلصين لله تعالى سالكين سبيل الحكمة والعزم فسيوفقهم الله تعالى فإن الله لا يضيع أجر المصلحين.
  ويجب مراعاةُ الرجلِ أمانتَه في أهلِه وولدِه، وذلك أن يقوموا بتربيةِ أولادِهم وتوجيهِهم وإرشادِهم ومراقبتِهم مراقبة تامة، لا سيما في الوقت الذي تكثر فيه الفتنُ وتشتد فيه المنكراتُ، فإن الأمانةَ تُحتِّم عليهم الرقابةَ أكثر مما إذا خفت الفتن وقلت المنكراتُ، ألسنا نتحفظ في أموالنا حين تكثر السرقةُ والخيانةُ ونتحفظ عليها أكثر ونطلبُ لها المكانَ الأحرزَ، فكذلك يجب علينا في أولادِنا، بل ملاحظةُ أولادِنا أوجبُ علينا من ملاحظة المال، لما في إهمالِهم من الخطرِ علينا وعلى أنفسِهم وعلى الأجيالِ المقبلةِ كلِّها، إن أولادنا وليس أموالنا هم الذين يصحبوننا في الجنة إذا تبعونا في الإيمان: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ}.