سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الأولى

صفحة 247 - الجزء 1

  كما صرح رسولُ الله ÷ بذلك حيث قال: «إنما بُعثتُ لأتمم مكارمَ الأخلاق» ومن مكارمِ الخُلقِ، غرسُ الرحمةِ والمحبةِ بين الناسِ، ونزعُ العداوةِ والبغضاءِ من صدورِ الخَلْق، فقد قال تعالى في حق رسول الله ÷: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} ومن مكارمِ الأخلاقِ بثُّ روحِ العدالةِ والمساواةِ، والقضاءُ على الظُلْمِ والاستبدادِ، ونشرُ خصالِ الفضيلةِ كالوفاءِ والأمانةِ والصدقِ ونحوها، وطمسُ خصالِ الرذيلةِ كالخيانةِ والغشِ والخداعِ والكذبِ ونحوها، وقد أدبَّ اللهُ نبيَه ÷ ورباه على خصال الخير ومنحه كل فضيلة حتى طبع عليها وعرف بها.

  عبادَ الله: لقد أصبح الناسُ في هذا الزمن الرديء يعيشون في أدنى مراتبِ التقوى وبعيدين عن تعاليمِ الدينِ الساميةِ، وشرائعِه السمحةِ، بل لقد طغت خصالُ الرذيلةِ على خصالِ الخيرِ والفضيلة.

  وانتشر الغدرُ والخيانةُ، والكذبُ والغشُ وشهادةُ الزورِ وأيمانُ الفجورِ، وغيرُها من الموبقاتِ، بل أصبحت وسيلةً اعتادها الناسُ في معاملاتِهم من أجل النصبِ والابتزازِ.

  ومن أخطرِ الرذائلِ وأكثرِها شيوعاً في هذا الزمان الكذبُ الذي كان يتحاشاه المؤمنون ويهربون عنه، وتمجُّه أسماعُهم وتأنفُ منه طباعَهم، فقد أصبح اليوم أمراً طبيعياً وفكاهة يحلي به الناس حديثهم ويتفكهون به فيما بينهم دون نكير، إن الكذب ذنب وجريمة نبذها الدين وحذر منها وعادة بين الناس فالشاطر عندهم من يكذب.

  عبادَ الله: لقد شددَ اللهُ ورسولُه في أمرِ الكذبِ وسوءِ عواقبِه، وحذرَ الناسَ منه، وبين لهم خطرَه، يقولُ الرسولُ ÷: «إن الصدقَ يهدي إلى البرِّ وإنّ البرَّ يهدي إلى الجنةِ، وإن الرجلَ يصدقُ ويتحرى الصدقَ حتى يُكتبَ عند اللهِ صديقاً، وإن الكذبَ يهدي إلى الفجورِ، وإن الفجورَ يهدي إلى النارِ، وإن الرجلَ ليكذب حتى يُكتبَ عند اللهِ كذّاباً».