سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الأولى

صفحة 248 - الجزء 1

  فماذا تريدُ أن تُكتبَ عند الله؟ وماذا تريدُ أن يكون أسمُك غداً، عبدَ الله إن باستطاعتك أن تَكتُبَ اسمَك في أيِّ سجلٍ تشاءُ، أترضى أن تكتب عند الله كذاباً، وتأتي يوم القيامة وأنت موسومٌ بالكذبِ، وكلما فَتَحْتَ صحيفتَك وقلبتَها وجدتَ فيها مكتوباً كذاب، إن هذا الأمرَ لا يطاقُ ولا يحتملُه أحدٌ، ولكن ليست هذه هي النهايةُ، والأمر لا يتوقف عند التسمية فحسب بل إن الصادقَ والكاذبَ نهايةٌ يقودُه إليه الصدقُ والكذبُ فقد ورد في آخر الحديث بأن الصدق يهدي إلى البرِّ ثم إلى الجنةِ.

  وكأنَّ الصدقَ دليلٌ يأخذ بيدِك حتى يوصلَك إلى الجنةِ، والكذبَ يهدي إلى ماذا؟ إلى الفجورِ والعياذُ بالله أي أن الكذبَ يقودُك إلى كلِّ جريمةٍ ثم يختم بك إلى النارِ.

  عبادَ الله: لا يحق لمؤمن أن يتهاون بالكذب مهما كان سواءً أضر أحداً أم لا، إن الكذبَ كذبٌ مهما كان وإن كان مزحاً فليس هناك كذب حلال وكذب حرام ولا كذب أبيض وكذب أسود، بل لقد ورد في حق الكذب وإن كان (مزحاً) وكما ورد الأثر: (ويلٌ للذي يحدثُ بالحديثِ ليُضحِكَ به القومَ فيكذب ويلٌ له ثم ويلٌ له) وأيضاً يجب أن نتعاملَ بالصدقِ مع الأبناءِ حتى يتعلمَ الطفلُ من أبيه الصدقَ، فالرسولُ ÷ علمنا كيفَ نربي أولادَنا على الصدقِ، وكيف نغرسُ هذه العادةَ الحميدةَ في قلوبِهم، فمما يروى عنه ÷ إنه كان ذاتَ يومٍ جالساً في بيتِ أحد الصحابةِ، فنادت زوجةُ الصحابي ابنَها فقالت له: تعال، هاك، فقال النبي ÷: «ماذا تريدين أن تعطيَه؟ أمعكِ شيءٌ تعطيه؟ قالت نعم معي تمرٌ يا رسولَ الله، قال أما إنك لو لم يكن معكِ ما تعطيه إياه، لكُتِبَتْ عليكِ كذبةٌ» فأين هنا مما يحدثُ في مجتمعاتنا اليوم؟ هناك من يُعلمُ ابنَه الكذبَ ويأمرَه بالكذبِ فيقول إذا جاءَ فلانٌ فقل له إني نائمٌ أو غيرُ موجودٍ، ثم يشكو من ابنِه بعد ذلك ويقولُ لماذا يكذبُ ابني؟ والجوابُ واضحٌ، السببُ وراء ذلك هما الأبوانِ اللذانِ علماه الكذبَ في صغره.