سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الأولى

صفحة 249 - الجزء 1

  عبادَ الله: إن الكذبَ ليس من صفاتِ المؤمنين وليس من أخلاقِ الإسلام في شيء، بل لقد صرح رسول الله ÷ بأن صاحبه خارج عن جماعة المؤمنين، وهو إلى المنافقين أقرب، ووصفه بالمنافق أحق وأولى لما جاء عن النبي ÷: «ثلاثٌ من كُنَّ فيه فهو منافق وإن صام وصلى وزكى وزعم أنه مسلم، من إذا حدثَ كذبَ وإذا وعدَ أخلفَ، وإذا أؤتمن خانَ»

  وفي حديث آخر سئل النبي ÷: «أيكون المؤمن جباناً؟ قال نعم، قالوا أيكون المؤمن بخيلاً؟ قال نعم، قالوا أيكون المؤمن كذّاباً قال لا إن الكذبَ والإيمانَ لا يجتمعان {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ}».

  وفيما يروي أن امرأةً قالت للنبي ÷ يا رسولَ الله أقولُ للطعامِ الذي أشتهيه لا أشتهيه أهي كذبةٌ، فقال ÷: «إن الكذبةَ تُكتبُ كذبة، حتى الكُذيبة تكتب كُذيبة».

  فلم يُرخصْ ÷ في الكذبِ لأجلِ حياءٍ ولا لأيّ شيءٍ آخر، لم يكن هناك من خُلُق أبغض إلى قلبه ÷ من الكذبِ، وإن الرجلَ ليتحدث بالكذبة فيتغير عليه قلبُ النبي ÷ ولا يزال في نفسِه منه شيءٌ حتى يعلمَ أنه قد أحدث منها توبةً، والنبي ÷ ليس وحدَه من يكره الكذبَ وينفرُ منه ومن صاحبِه، بل إن الملائكةَ هم أيضاً ينفرون من الكذب.

  وها هو ربُّ العزةِ يبينُ لنا أن الكذبَ لا يَقدم على افترائه إلا الذين لا يؤمنون قال تعالى: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} فما ذا يريد أصحاب الكذب بعد هذا تنبذهم الملائكة ويكرهم رسول الله ÷، ويغضب عليهم الله، ويمقتهم الناس ويرفع الله عنهم صفة الإيمان.

  ماذا يستفيدُ الكذابُ من كذبِه الذي لا يجني من ورائه كل يوم إلا أحمالاً من السيئات؟

  إذا كانت الملائكةُ تبتعد عن الكذابِ، وتهربُ منه، فمن يقتربُ منه يا تُرى؟