سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الأولى

صفحة 250 - الجزء 1

  إنه الشيطانُ بلا شكٍ والعياذُ باللهِ قال تعالى: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ}.

  عبادَ الله: لا بد لكل عبدٍ من وقفةٍ بين يدي اللهِ وقفةٍ لا يقوى عليها الا أهل الصدق، ولا يثبت معها إلا الصادقون قال الله: {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ}.

  فإذا لم ينفعْك الصدقُ في الدنيا فيومَ القيامةِ أنت على موعدٍ مع الصدقِ لكي ينفعَك وينقذَك من الأهوالِ، حتى الأنبياء سيسألون عن صدقهم يقول الله تبارك وتعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً ٧ لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً أَلِيماً ٨}.

  فإذا كان أفضلُ البشرِ سيُسألون عن صدقِهم فعن أيِّ شيءٍ سيُسأل الكذابون؟ هل عن صدقِهم؟ أم عن كذبِهم الذي ملاء صفحاتِ صحائفِهم؟ عبدَ اللهِ تأمل في قوله تعالى: {لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ} تأمل بلاغة التعبير في كلام الله لم يقل ليجزي الصادقين بصدقهم، ويعذب الكاذبين بكذبهم بل قال: {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ}.

  ما الحكمةُ من إتيانِه بلفظة المنافقين بدلَ الكذابين؟ إن اللهَ يعلمنا أن الذي يقطع عمره بالكذب فهو في نهاية المطاف سيؤول أمره إلى النفاق حتماً لأن الإيمان أساسه الصدق، والنفاق أساسه الكذب، ولا يمكن أن يجتمع الإيمان والكذب في قلب مؤمن ما بقي الدهر.

  لماذا؟ لان الكذبَ الذي نتهاونُ به يُعدُّ من أكبرِ الكبائرِ بل هو بابُ كلِّ جريمةٍ ومفتاحِ كلِّ شرِّ، ولو أن الناسَ صدقوا ما أذنبوا ولا عصوا، فلو قلنا للعاصي مثلاً اعمل ما شئت وافعل ما تريد، ولكن لا تكذب، اسرق وازن واقتل، ولكن لا تكذب، هل يستطيع؟ لا والله.