الخطبة الثانية
الخطبة الثانية
  
  الحمد لله الذي صدقَ وعدَه، وأعزَّ جندَه، لا يقولُ إلا فصلاً، ولا يحكم إلا عدلاً، وعد الصادقين بصدقِهم، ويعذبُ المنافقين ومن أصدقَ من الله قيلا.
  وأشهد ألّا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، ولا شبيهَ له ولا مثيلَ.
  وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسوله الصادقُ الأمينُ صلى الله عليه وعلى ذريتِه الطيبين الأكرمين من يومِنا هذا إلى يوم الدين.
  أما بعد:
  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}
  عبادَ الله: إن لهذه الآيةِ قصةٌ وقعت في عهدِ رسولِ الله ÷ تتعلقُ بالصدقِ، ففي غزوةِ تبوكٍ خرجَ النبيَّ ÷ في ثلاثينَ ألفاً من أصحابِه لغزوِ الرومِ.
  وكان خروجُهم في شهرِ أغسطس، في أشدِّ أيامِ الصيفِ حراً، وكانت المسافةَ بعيدةً حوالي الف كيلو متر من المدينة إلى تبوك، فبدأ المنافقون يعتذرون عن الخروج ويحتالون على النبي ÷ بالكذب والخداع.
  وكان هناك ثلاثةً من الصحابةِ الصادقين الذين تخلَّفوا عن الخروج مع النبي ÷ ومنهم الصحابي الذي يحكي لنا هذه القصةَ وهو كعب بن مالك ¥.
  يقولُ كعبٌ عن نفسِه خرجَ النبيُّ ÷ وخرجَ معه الجيشُ وأنا أقولُ ألحقُهم غداً، ويأتي غد، وأقول سألحقُهم غداً.
  حتى أصبحَ من المستحيلِ أن ألحقَ بهم، فمشيتُ في طُرقاتِ المدينةِ فلا أجدُ إلا منافقاً معلومَ النفاقِ أو مريضاً قعيداً.
  فلما قفلَ رسولُ الله ÷ عائداً حضرني بثّي - أي شدةُ الحزنِ بسبب تخلفِه عن النبي - فقلت لنفسي ماذا أقولُ للنبي ÷؟ كيف أخرجُ مِن سخطِه غداً؟ يقول كعبٌ فطفقت أتذكرُ الكذبَ، وأصبحتْ نفسي تحدثُني بالكذبِ، فلما عادَ