سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الثانية

صفحة 253 - الجزء 1

  النبي ÷ أجمعتُ على الصدقِ، فدخل النبيُّ ÷ المسجدَ فجلسَ، فبدأ المنافقون يدخلون عليه وكلُّهم يقولون سامحني يا رسولَ الله، يختلقون الأعذارَ الكاذبةَ ويحلفون له الإيمانَ الفاجرةَ، ويقبلُ النبيُّ ÷ علا نيتَهم أي يعاملُهم على الظاهرِ من قولِهم ويستغفرُ لهم، ويبايعُهم ويجددُ لهم البيعةَ ويتركُ أمرَهم إلى الله، فيخرجون من عندِه وهم في منتهى السعادَةِ، لماذا؟ لأنهم اعتقدوا أنهم بكذبِهم وتحايلِهم قد خدعوا رسول الله ÷، نسوا بأن الله من ورائِهم محيطٌ {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ}.

  وجاء دوري - هذا كعبُ بنُ مالكٍ الذي تخلفَ عن الجهادِ يكملُ القصةَ - قال وجاءَ دوري فدخلتُ على النبيِّ ÷ فتبسمَ تبسمَ الغضبانٍ وقال لي: تعالَ: ما خلَّفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهراً - أي اشتريت جملاً لتسافرَ عليه -، فقال يا رسولَ الله واللهِ لو جلستُ عند غيرِك من ملوكِ الدنيا لرأيتُ أني سأخرجُ من سخطِه بعذرٍ، لقد أُوتيتُ جَدَلاً - أي أنا أبو الأعذار وصاحبُ فطنةٍ أتخلصُ بها من المآزِقِ - ثم يكملُ ويقولُ ولكن يا رسولَ الله لئن حدثتُك اليومَ حديثاً ترضى به عني ليوشكن اللهُ أن يُسخطَك عليّّ.

  ولئن حدثتُك حديثَ صدقٍ تجدُّ - أي تغضبُ - فيه عليَّ، إني لأرجو فيه من اللهِ عقبى - أي خير - ثم عزمَ على أن يعترفَ ويقولُ الصدقَ فقال: وواللهِ ما كان لي من عذرٍ.

  فقال النبي ÷ أما هذا فقد صدقَ، قم حتى يقضيَ اللهُ فيك، وكان قد صدقَ معه اثنانِ من أصحابِ النبي ÷ وهما مرارةُ بنُ الربيعِ وهلالُ بنُ أمية.

  قال كعبٌ: قمتُ من عندِ النبي فنهى النبي ÷ عن كلامِنا نحنُ الثلاثة، أربعين يوماً، ثم مُدَّتْ بعد ذلك وأصبحت خمسين يوماً حتى ضاقت عليهم الأرضُ بما رحبت وضاقت عليهم أنفسُهم.

  ويقول كعبٌ لما خرجتُ من عندِ النبي ÷ جاءني أناسٌ من بني سلمة