سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الثانية

صفحة 254 - الجزء 1

  يقولون لي لماذا لم تقل مثلَ فلانٍ وفلان، وتعتذرْ أي مثل المنافقين، وكان النبي سيستغفرُ لك أما رأيتَ النبيَّ يستغفرُ لهم، فمن كثرةِ كلامِهم هممتُ أن أعودَ للنبي فأُكذِّبَ نفسي، ولكن عدتُ إلى رشدي - أي لم أفعل -.

  ونهى النبيُّ ÷ عن كلامِنا خمسين يوماً حتى نزلت توبةُ اللهِ علينا في قرآنٍ يتلى إلى يومِ القيامة.

  فجئت إلى النبي ÷ ودخلتُ المسجدَ، فنظر إليَّ النبيُّ ÷ فاستنار وجهُهُ من الفرحةِ، فقلتُ يا رسولَ الله ما نجاني إلا الصدقُ وأن من توبتي ألا أحدث بعد ذلك إلا صدقاً، يقولُ كعبٌ عن نفسِه وواللهِ ما كذبتُ بعدها كذبةً، وإني لأرجو من الله أن أستديمَ على ذلك حتى أموت.

  حقّاً إنها لقصةٌ وموعظةٌ للمؤمنين فقد رفضَ كعبٌ أن يكذبَ ولو كان في الكذبِ نجاتُه، فما بالك بمن يكذبُ لا لحاجةٍ ولا لضرورةٍ، وهو يعلمُ بأن من يكذب عليهم يعلمون بأنه يكذب.

  عبادَ الله: إن الكذبَ آفةٌ ولا ينبغي أن يُعوِّلَ عليه مؤمنٌ في الخلاصِ من مأزقٍ مهما كانت ظروفُه، وكيفما كانت الضرورة، فالنجاة لا تكون في معصيةِ الله أبداً، لما رُوِيَ عنه ÷ أنه قال: «تحروا الصدق وإن رأيتم فيه الهلكةَ فإن فيه النجاةَ وتجنبوا الكذبَ وإن رأيتم فيه النجاةَ فإن فيه الهلكةَ».

  وهذا زيدُ بنُ عليٍّ # يقولُ عن نفسِه: «والله ما كذبتُ كذبةً منذُ علمتُ أن الكذبَ يشين بأهلِه».

  عبادَ الله: إن الكذبَ وإن أنجاك في الدنيا فلن ينجيَك يومَ القيامة.

  الكذب وإن رفعَك أمامَ الناس فإن الصدقَ يرفعُك عند الله.

  فأيهما أحبُّ إليك؟ أن يرفع شأنَك عند اللهِ أم عندَ الناسِ؟ بعضُ الناس مُدْمِنٌ على الكلامِ يريد أن يتكلمَ في كلِّ شيءٍ صدقاً كان أو كذباً، وإذا سمع خبراً نقله ولا يتحقق من صدقِه أو كذبِه، ويدعي بأنه يعرفُ كلَّ شيءٍ، يريد أن