الخطبة الثانية
  والغذاء، ويحفظه من الشر والبلاء، حتى إذا كمل خلقه واستوى أخرجَه إلى هذه الدنيا طفلاً رضيعا، لا يعلمُ شيئا، ولا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، إلا بعونِ الله ورعايتِه. {أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً}.
  ما الذي تغيرَ؟ وما الذي تبدّلَ بعد أن كبر الإنسانُ وقوي ساعدُه؟
  هل من المعقولِ أن الذي رعاكَ في ظلماتِ الأرحامِ سيتركُكَ الآن؟
  هل يبخلُ علينا اللهُ، وهو الذي بيدِه خزائنُ السماواتِ والأرضِ، والذي يستوي عندَه الذهبُ والترابُ، والماسُ والحصى؟
  هل يعجزُ وهو القويُّ الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء؟
  إن الله تعالى أرحمُ بعبادِه من الأمِّ برضيعِها، وأشفقُ علينا من الوالدين، وأكرمُ منا على أبنائِنا وأهلينا، وهو الكريمُ الجوادُ الذي يُعطي بلا حساب، والله تعالى واسع العطاء، وأغنى الأغنياء، ولم يمنع أحداً شيئاً بخلاً ولا فقراً تعالى عن ذلك علوّاً كبيراً.
  ولكن اللهَ سبحانه وتعالى يتصرفُ على مقتضى الحكمةِ والمصلحةِ التي يقتضيها علمُه، فهو الخبيرُ بأحوالِ عبادِه، والعالمُ بما يصلحُهم وما يفسدُهم، والمحيطُ علماً بما يضرُّهم وما ينفعُهم، وقد صرحَ بذلك وأبانَه بقولِه تعالى: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ}.
  كم من غنيٍّ بَطِرَ، وطغى، وظلمَ، وتعدى بسبب الغناء، وتسلطَ على العبادِ بالقهرِ، والأذى، والظلمِ.
  وكما في الحديث القدسي أو ما في معناه: (إن الله ﷻ قال: من عبادي من لا يصلح له إلا الغنى ولو أفقرتَه لطغى، ومن عبادي من لا يصلحُ له إلا الفقر، ولو أغنيتَه لبغى).
  ومن لم يرض بما قسمَه اللهُ أهلَكَ نفسَه، ولنا في قصةِ ثعلبةَ صاحبِ رسولِ اللهِ