الخطبة الثانية
  فلما فقدَه الرسولُ ÷ بطول غيابه عنه قال لأصحابه: ما فعل ثعلبة؟ فأخبروه بحالِه، وأطلعوه على أمره، فقال ÷: «يا ويحَ ثعلبه - يا ويح ثعلبة».
  ولما أوجبَ اللهُ تعالى الزكاةَ، وفرضها على العبادِ، بعثَ رسولُ الله ÷ رجلين من المسلمين ليجمعا الزكاةَ، وقال لهما: مُرَّا بثعلبةَ وبفلانٍ، رجلٍ من بني سليم فخُذا صدقاتِهما، فخرجَ الرجلان حتى أتيا ثعلبةَ فسألاه الصدقةَ فقال ثعلبةُ: ما هذه إلا جزيه، ما هذه إلا أختُ الجزية، ما أدري ما هذا؟
  ثم قال لهما: انطلقا حتى تفرغا ثم عودا إليّ.
  فانطلقا إلى السَّلمي ليأخذا منه الزكاة وسمع بهما السلمي فنظر إلى خيار أسنانِ إبلِه فعزلها للصدقةِ، فلما رأوها قالوا: ما يجبُ عليك هذا، وما نريد أن نأخذَ هذا منك.
  فقال: بلى فخذوها فإن نفسي بذلك طيبةٌ.
  فأخذاها منه ومرّا على باقي الناس وأخذوا منهم الصدقات.
  ثم رجعا إلى ثعلبةَ، فقال: أروني كتابَكما الذي فيه الأمر بجمعِ الزكاةِ؛ فقرأه.
  فقال: ما هذه إلا جزية، ما هذه إلا أختُ الجزيةِ، انطلقا حتى أرى رأيي.
  فانطلقا حتى أتيا النبيَّ ÷ فلما رآهما قال: يا ويحَ ثعلبة قبل أن يكلمَهما.
  ودعا للسلمي بالبركةِ، فأخبراه بالذي صنعَ ثعلبةُ والذي صنع السلمي.
  فأنزل الله تعالى {وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ ٧٥ فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ ٧٦ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ٧٧ أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ}.
  ولما نزلت هذه الآية كان عندَ رسولِ الله رجلٌ من أقاربِ ثعلبة، فانطلق إلى ثعلبةَ يخبرُه الخبرَ فلما أتاه قال: ويحكَ يا ثعلبةُ قد أنزلَ اللهُ فيك كذا وكذا.