سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الثانية

صفحة 268 - الجزء 1

  فانطلق ثعلبةُ إلى رسولِ الله ÷ حتى وقف بين يديه وسألَه أن يقبلَ منه صدقتَه فقال ÷: إن الله منعني أن أقبلَ منك صدقتَك، فجعل ثعلبةُ يحثو الترابَ على رأسِه.

  فقال له رسولُ الله ÷: «هذا عملُك قد أمرتُك فلم تطعني» أي أن رسولَ اللهِ ÷ قد نصحَه بأن يقبلَ ما قسمَه الله وأن يرضى بما اختارَه اللهُ له من الفقرِ ولا يخالف إرادةَ اللهِ.

  ثم إن ثعلبةَ عادَ إلى منزلِه يتحسرُ على نفسِه ويتندمُ حين لا ينفعُ ندمٌ ولا حسرةٌ ومات بعدها رسولُ اللهِ ÷ ولم يقبل من ثعلبَةَ صدقتَه، فأتى ثعلبةُ بصدقتِه إلى أبي بكرٍ فردَّها ولم يقبلها حتى مات.

  ثم أتى بها إلى عمرَ بنِ الخطابِ فردها، ولم يقبلها حتى مات.

  ثم أتى بها إلى عثمان فردها، ولم يقبلها.

  فهلك ثعلبةُ في ذلك العهدِ ليلقى جزاءَ فعله.

  فلنعتبرْ بهذه القصةِ ولنأخذْ منها العضةَ، والعبرةَ.

  فما الذي انتفع به ثعلبةُ من الغنى غير تركه المسجد ومفارقته لرسول الله وبعده عن المؤمنين وتركه للجماعة والجمعة؟

  وفي آخرِ المطافِ ينكرُ الصدقةَ، ويجحدُ نعمةَ اللهِ.

  هذا الذي جناهُ ثعلبةُ بنُ حاطبٍ الذي حوَّله الغنى من حمامةٍ كانت في مسجدِ الرسولِ ملازمٍ للطاعةِ والصلاةِ إلى فاجرٍ منافقٍ خائنٍ أهلَك نفسَه، وأحلها دارَ البوارِ وكانت عاقبتُه إلى النارِ.

  نسأل الله العظيمَ العفوَ والعافيةَ وأن يرزقَنا القناعةَ بما آتانا والرضى بما قسمه لنا فهو العالم بما فيه نفعنا وضرنا وهو حسبنا ونعم الوكيل.

  عبادَ الله: إنكم في يومٍ عظيمٍ ويومِ عيدٍ كريمٍ شرّفَه اللهُ وكرّمَه على سائرِ الليالي والأيام. فأكثروا فيه من الصلاة والسلام على نبيكم خير الأنام امتثالاً