الخطبة الأولى
[٢٣] - القناعة والزهد في الدنيا
الخطبة الأولى
  
  الحمد لله الذي جعل الحمدَ ثمناً لنعمائِه، ومعاذاً من بلائِه، ووسيلةً إلى جنانِه، وسبباً لمزيدِ إحسانه.
  واشهد ألّا اله آلا الله الواحدُ الديانُ الملكُ العزيزُ الجبارُ الذي لا تراه العيونُ، ولا تحيط به الظنونُ، ولا يصفه الواصفون، لا تدركه الأبصارُ وهو يدرك الإبصارَ وهو اللطيفُ الخبير.
  وأشهد أن محمداً عبدُه ورسولُه نبيُّ الرحمةِ وأمامُ الأئمةِ سراجُ الظلمة المنتخبُ من دوحةِ الكرمِ وسلالةِ المنهجِ الأقومِ صلى الله عليه وعلى أهل بيته مصابيحِ الظُلَمِ ومنارِ الدين الواضحةِ ومثاقيلِ الفضلِ الراجحةِ، مَن تمسّكَ بهم نجا ومن تخلفَ عنهم ضلَّ وغوى فصلوات الله عليهم أجمعين من يومنا هذا إلى يوم الدين.
  أما بعد:
  عبادَ الله: إن هذه الحياةَ التي نعيشُها ليست الا حلماً من أحلامِ الحقيقةِ الأخرى، ومطية على ظهرها ترتحل الأجيال من هذه الدار إلى دار القرار، والعاقل من اعتبر بدروسها واتعظ بغيره فيها. وكان على حذر منها.
  كيف لا وهذا ربُّها وسيدُها وخالقُها قد حذّرَنا منها ومن مكرها وخداعها وهو الخالق لها والعالم بأمرها حيث قال عزّ من قائل: {فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ}.
  بل إن اللهَ تعالى قد ذمها في القرانِ الكريم أكثرَ من ذمهِ للشيطانِ الرجيمِ، وما ذلك إلا لخطرِها وعظم مكرها وزخرفِها، بل لقد صرح المصطفى ÷ بأنها أساسُ كلِّ مُصيبةٍ حيث قال: «حبُّ الدنيا رأسُ كلِّ خطيئةٍ» ومن حكمةِ الله أنه